تجارة مجالس العزاء: مبالغات السيرة.. والبدل المالي

عاشوراء
لعبت ذكرى عاشوراء دورا مهما في جعل الشيعة ثورويين في فلسفتهم الوطنية، معارضين للحاكم، بعيدين عن السلطة، التي تسلموها فقط في القرن العشرين للمرة الأولى. وبعدما باتوا اسيادا في دولتهم لا عبيد، فليكونوا على قدر ثورة الحسين في خطابهم العاشورائي، وفي "تجارة المجالس".

يضع حزب الله يده على المجالس الحسينية في لبنان منذ ان تسلم ادارة المساجد والحسينيات في المناطق التي يتواجد فيها. فيعمل على اعداد قارئات العزاء اللواتي يجري تأهيلهنّ تحت رعاية الهيئات النسائية في الحزب، بأعداد كبيرة، لضمان ضبط النصّ. ويعدّهم، عبر دورات تدريبية خاصة. وقد وصل عددهنّ العام الماضي إلى أكثر من 285 قارئة في بيروت، و225 في البقاع، و100 في الجنوب.

هذا يدلّ على الجهود التي تبذل من أجل سلامة اللغة في تلك الدورات، إلاّ أن ذلك لا يمنع كثرة الأخطاء اللغوية أثناء تلاوة المجلس الحسيني. أمّا المضمون فمزيج من موعظة سياسية أو أخلاقية ومن سيرة الحسين وأهل بيته في كربلاء. فبعض القارئات يركّزن على المسائل الخلافية التي حصلت بُعيد وفاة النبي، وبعضهنّ لا تجد بأساً من إيراد الروايات الضعيفة، في حين نجد بعضهنّ يحاولن ما أمكنهنّ تلاوة ما هو المشهور في المآتم الحسينية.

كما أنّ النساء الحاضرات لا يلتفتن الا إلى المضمون العاطفي لصاحبة الصوت الشجيّ، التي تبكّيهنّ اكثر فأكثر، سواء أخطأت ام لم تخطئ. خصوصا أنّ البدل المالي الذي تتقاضاه كلّ منهنّ يلعب دوره هنا. فالمبتدئة ترفض في البداية أخذ بدل مالي بحجة انها تقرأ تقرّبا الى الله وعن روح أهل البيت. فتنتقل بسرعة خلال الاربعين يوما من منزل الى منزل خلال العام الاول، اما في العام التالي فإنّها تحدد البدل المالي بطريقة غير مباشرة، حياءً، وان بقيت على مقولتها: “انا اقرأ تقرّبا لله تعالى وعلى حب الحسين”.

وكان الامين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي قد دافع عن قرّاء العزاء وعن البدل المالي الذي يطلبونه مبررا بأنّ ذلك “حقّ للقارئ لأنّ صوته ملكٌ له”. خصوصا أنّها مهنته التي منها يعتاش ويسترزق، والتي ينتظرها كل عام ليجني بعض المال.

هنا لا بدّ من سؤال: من جهة حزب الله هل يحدد للقارئات البدل المالي المطلوب تقاضيه ام انه يدفع لهنّ راتبا كما هو حال المتفرغين من الرجال والنساء؟ لأنّ بدل المجلس، ماليا، رقم خياليٌ، اذا لم نحتسب كلفة الضيافة. ما يمنع العديد من العوائل الفقيرة من اقامة مجلس عزاء بسبب الاعباء المادية المبالغ فيها. تلك التي يتقاضاها قارئ غالبا ما يؤتى به من العراق، بسبب تعلّق الشيعة اللبنانيين باللهجة العراقية في المجالس. وتؤّمن له في غالب الأحيان مصاريف الاقامة والتنقل، التي تُجمع من رواد المجلس ومن صاحب الدعوة ايضا.

اللافت انه كلما يغالي القارئ في النصّ، يحبّه الجمهور اكثر، على طريقة اللقاءات التي تجرى في المقاهي الدمشقية العريقة حول سيرة عنترة او الزير سالم. فقد عُرف القارئ الشيخ الفالي، في النبطية العام الماضي، بكثرة مبالغاته. وقد اعترضت بعض الأصوات الشيعية على ذلك. ما شجّع بعض العائلات هذا العام على دعوة القرّاء المشهورين بطريقة الشيخ الفالي من العراق مع عوائلهم لاجل احياء المجالس في المنازل. ولا يقلّ البدل المالي عن 5000$ بدل عشرة ايام  قراءة، أي بمعدّل خمسمئة دولار لليلة الواحدة.

على هذا النسق ينتشر المجلس العراقي بمضمونه ولهجته ولطمياته بشكل غير مسبوق، رغم أنّه راجت سابقا موضة اللطميات البحرانية، خصوصا للمنشد المعروف باسم الكربلائي. واليوم تزدهر أعمال المنشد حسين الأكرف البحراني، ذي الصوت الرومنسي.

 وكان المفكر مرتضى مطهرّي قد دعا الى “تخليص عاشوراء من الشوائب في النص والرواية حتى نستخلص العبر، عبرة مواجهة الظالم والتي تتلخص في عبارة: هيهات منا الذلّة”.

السابق
لكم عاشوراؤكم وضجيجها ولي عاشورائي الصامتة
التالي
اجراءات سير تواكب ماراثون بيروت