عن حزب صار في الـ90 ومصّاصة الطفولة في فمه

الحزب الشيوعي اللبناني
وبعيدا عن التعسف يمكن القول ان سياسات الحزب الراهنة لا تدل على انها صادرة عن قيادة تدرك انها تقود مؤسسة قد ذرفت على 90 عاما، بل هي سياسات اشبه بردات فعل طفوليه الطابع، وانفعالية الاداء، بحيث يبدو الحزب بلا تاريخ وكأنه وليد ساعات وليس عشرات السنين.

لا تزال صورة الحزب الشيوعي اللبناني بعد 89 عامh على تأسيسه، فيها من الحسن اكثر من القبح. صورة تبدو لناظرها عن بعد، قمرية الانطباع، بخلاف الناظر اليها عن قرب، حيث القمر يظهر على طبيعته ارضا قاحلة تنخلها النتؤات ومطبوعة بالالوان الباهتة.
فتاريخ الحزب والحقبات التى مر بها لا تزال تمدّ صورته الراهنة ببعض زهوها. فلا خلاف كون منتسبيه والاصدقاء ينظرون اليه من خلال حالة عاطفية وجدانية تؤسس لعلاقة امومية – ابوية بين الطرفين. فالانطباع السائد يظهر وكأن صورة الحزب قد تجمدت في زمن معين لدى مؤيديه، الذين يخضعونه دوما لعمليات تجميل ذهنية تجدد من صورته. كأنهم يكرسون الولاء لماضيه وليس لحاضره. فكثيرة النضالات التاريخية والانجازات السياسية الاجتماعية التى شارك الحزب الشيوعي في تحقيقها وبفعالية، كإقرار الضمان الاجتماعي وقانون العمل وتأسيس الجامعة اللبنانية، فضلا عن كثير من النضالات المطلبيه والنقابية. فهو كان في طليعة من ساهموا في بناء التاريخ الحديث للحركة النقابية اللبنانية، واغنى الحياة الثقافية في لبنان والعالم العربي وصولا الى المساهمة الكبرى في تاسيس جبهة المقاومة اللبنانية (جمول)… كلّ ذلك شكل ويشكل الرأسمال الرمزي المتجدد الذي يبث الدم في عروق الحزب الشيوعي اللبناني ويعطيه قابلية الحياة وبعضا من استمراريته وراهنيته، دون ان يكون لقيادته الحالية اي مباردة او فعالية في انتهاج سياسة للمراكمة الديمقراطية المتجددة في سبيل اعادة الحزب الى سابق عهده كحاجة وطنية بامتياز.

ففي حال اقرينا بفعالية ذلك الرأسمال الرمزي، ليس من المفترض ان يثنينا عن وضع منظار الواقع أمام عيوننا من اجل القيام بنقد ذاتي متجرد ومسؤول كي نخلص الى القول ان حاضر الحزب صاحب المناسبة لا يسر البتة. فهو في نظر الكثيرين فاقد للمصداقية الفكرية والسياسية والاخلاقية، ولم يعد ذاك الحلم الجاذب للشباب، ولكل حالم بتغيير ثوري على اسس وطنية ديمقراطية غير طائفية لبناء الوطن والمواطنة.

بات الجميع يتساءل: اين هو ذاك الحزب المبادر الذي كان يصنع الاحداث ويشارك في توجيه سياسات كبرى ويواكب التطورات. فبقدر ما كانت قياداته التاريخية قادرة بدينامكيتها على التأثير وصنع الاحداث نجد ان الخلف عاجز غير قادر حتى على التعليق عليها فضلا عن تحليلها.

القيادة الحالية مثلا هي من يضيع الفرص وتقود حزبها بالهوبرة عبر اطلاق شعارات ومواقف غير قادر الحزب بامكانياته الحالية على استيعابها فضلا عن السير بها ولو يسيرا.

وبعيدا عن التعسف يمكن القول ان سياسات الحزب الراهنة لا تدل على انها صادرة عن قيادة تدرك انها تقود مؤسسة قد ذرفت على 90 عاما، بل هي سياسات اشبه بردات فعل طفوليه الطابع، وانفعالية الاداء، بحيث يبدو الحزب بلا تاريخ وكأنه وليد ساعات وليس عشرات السنين.

فواحدة من اهم المشكلات التى يعانيها الشيوعيون اللبنانيون افتقارهم الى قيادة ديناميكية تدرك اللحظة وتحولاتها كتلك القيادة التاريخية التى انتجها المؤتمر الثاني وقدمت برنامجا للحياة امد الحزب واليسار اللبناني برؤية واضحة شاملة جريئة لكثير من القضايا السياسية والفكرية.

فالرؤى الواضحة لاعادة خلق حياة تنظيمية مرنة ومتطورة، التي تجعل من التنوع داخل الحزب قوة وليس ضعفا، هي غائبة. كذلك البرنامج التغييري الذي يسعى الى بناء الحزب وفق اسس سليمة ومنسجمة مع المتغيرات الكبرى. برنامج يكون بذاته الاساس الواقعي لاعادة تجديد الفكر والمفاهيم التي تخص الحزب و اليسار برمته. وفضلا عن كل ذلك لقد غرقت قيادة الحزب في ابتذال فكري وسياسي وادخلت نفسها في معمعة من ازدواجية المعايير في تناولها اداء القوى السياسية حيث تبدو كمن يساير طرفا على حساب طرف آخر. فأزمة لبنان الحالية هي ازمة مركبة احد معالمها فقدان القوى الديمقراطية القادرة على ان تدفع باتجاه حوار وطني حقيقي بين مختلف الاطياف السياسية وتؤكد على حق الشعب اللبناني في بناء دولته الديمقراطية المنشودة. لذا حري بالحزب، بدلا من ان يتخذ موقفا منحازا، ان يؤسس للغة وطنية ترفض التخوين والتكفير باعتبارهما رفضا صريحا للسياسة ويصدران عن عقلية فاشية واحدة.

وفي سياق آخر: هل يجوز ان يقصر الحزب كل برنامجه السياسي اليومي على قضية المقاومة ومحاربة اميركا؟ كأنّ شروط بناء الدولة لا تتحقق الا عبر تلك الاستراتيجية.
والحزب الشيوعي اللبناني نتيجة لتلك الممارسات اصبح فاقدا لمصداقيته وبالتالي عاجزا عن طرح نفسه البديل المنطقي في ظل تهربه او على الاقل تحاشيه الاصطدام بالسلطة الفعلية في البلد. تلك التي تختفي تحت شعارات كبرى ولا تخفي انحيازها لمحور بعينه. وقد ثبت بالملموس ان الحزب الشيوعي، في مقاربته لثورة الشعب السوري، قدّم تنازلات للنظام السوري، في وقت كان الاجدى له ان يقف موقفا ثوريا الى جانب الشعوب وان يكون هو صاحب التحليل الصائب الذي يفصل فصلا قاطعا بين الحراك الشعبي كانتفاضة محقة، وبين باقي المثالب التى تظهر اثناء السعي لنيل الحرية كي لا يختلط الغث بالسمين. فالجميع يدرك ان هذا النظام بطبيعته يتحمل الجزء الاكبر من معاناة الشعب السوري، وهو بدلا من ان يقدم التازلات لشعبه يقدمها للاجنبي، كما حدث راهنا عبر التنازل عن سلاحه الكيماوي بعد التلويح بالستعمال القوة ضده من قبل اميركا وحلفائها.

إزاي تلك السياسات التي تنتهجها قيادة الحزب الحالية، متجاوزة الاحداث عن اليمين وغير منسجمة مع تاريخ حزبها، لا تشبه في شيء يساريته المفترضة.. كيف اذن تكون يساريا فاعلا اذا لم تكن متعاطفا مع كل شعب وجماعة تسعى الى حريتها وعيشهم الكريم؟
بالطبع لا يسار حقيقي بلا حزب شيوعي قوي، فعال، ومنسجم مع نفسه وتاريخه، ولا وجود لشيوعية اذا لم تخلق انسانا، كما قال تشي غيفارا.

السابق
تمثال نطحة زيدان لم يصمد
التالي
كيف تآمروا على الله؟!