أربعة آلاف طفل سوري وحيد يتسوّلون في لبنان

تسوّل
بحسب الإحصاءات التي أجرتها المفوضية فإن اربعة آلاف طفل سوري على الأقلّ نزحوا إلى لبنان دون ذويهم، وتم تسجيلهم في مفوضية الأمم المتحدة للاجئين حتى تاريخ كتابة هذه السطور. ومعظمهم يتسوّل طعامهم نهارا، وينام في العراء ليلا.

أطفال سوريا الهاربون من الموت، يعلقون في التسوّل داخل لبنان. بيروت، تلك المدينة التي حلُم بها الكثير من السوريين والعرب، وببحرها، يملؤها أطفال سوريون صغار وكبار يتقاسمون فتات طعام، ويجمعون بعض العلب المعدنيّة والعبوات البلاستيكية من سلة المهملات.

الطفلان محمد وعلي أخوان فقدا والدهما في الصراع الدائر بسوريا. هربا مع أمّهما المريضة من دمشق إلى بيروت. خيمة في الاوزّاعي هي بيتهم الجديد، وعلى أرصفة شارع الحمراء يقضيان النهار جالسين ومستلقيين، يراقبان الوجوه والأيدي. ربما تُمطر السماء مالاً أو خبزاً.

وبحسب الإحصاءات التي أجرتها المفوضية فإن اربعة آلاف طفل سوري على الأقلّ نزحوا إلى لبنان دون ذويهم، وتم تسجيلهم في مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، حتى تاريخ كتابة هذه السطور. ومعظمهم يتسوّل طعامهم نهارا، وينام في العراء ليلا.

في شارع الحمرا، مشهد يثير الأسى وسط مزاعم بمساعدات ومنح كثيرة من جهات عربية لهؤلاء المتسولين السوريين، وهم من مختلف الأعمار، وليسوا أطفالا فقط. وبعضهم تشي وجوههم وثيابهم بأنّهم من “الطبقة الوسطى” سابقا. أحدهم يقول إنّه كان مدرّسا، وآخرون يحملون شهادات لا تساعدهم في إيجاد عمل داخل سوق عمل حيث المنافسة أكثر من صعبة.

بعضهم يبيع العلكة، أو الورد أو المناديل الورقيّة، والبعض يعمل كماسح للأحذية، وآخرون يتجولون بين السيارات مخاطرين بحياتهم من أجل بضعة آلاف من الليرات.

محمود عبد الحميد (10سنوات) متغيّب عن المدرسة، يتيم يعيش مع ستة من إخوته، يعمل على مدى اثنتي عشرة ساعة يوميا لقاء مبلغ لا يتعدى المئة دولار شهريا. تحدّث عن مشاكل اهله مع بدل الايجارات في بيروت، وشكى من أن عمله مع إخوته لا يكفي بدل ايجار المنزل الذي يبلغ 600 دولار في الشهر.

وعلى حافة الرصيف نرى امرأة سورّية، من مدينة حلب، وصلت الى بيروت قبل اشهر، تحدثت بألم شديد عن معاناتها مع اولادها الثلاثة. اكبرهم يبلغ 14 عاما، والآخر 8 اعوام، وطفلة لم تتجاوز 6 سنوات، قالت: “لم استطع ان أوّفر ما يسدّ رمقنا من طعام فما بالنا بالتعليم، وما يُحزّنا اننا لا نعلم متى نعود الى بلدنا، فأطفالنا دون مدارس سيبقون الى أجل معلّق”.

وتضيف: “زوجي يعمل في مطعم ولا نريد سوى العودة الى بلدنا”. ولم تستطع ان تُكمل حديثها لأنها اجهشت في البكاء.

“مصيبة وجيتنا”، يبادرنا أحد السوريين الطافرين في شوارع بيروت إذ يصف حال اطفال سوريا المتسوّلين. ثم يطالب بوضع حلّ لتلك الظاهرة من خلال “تأسيس جمعية تجمع شمل الاطفال وتعلّمهم”.

اما سناء، المرأة الهاربة من جسر الشغور والتي اختفى زوجها في اللاذقية منذ بضعة أشهر، وصلت لبنان متخذّة من الأرصفة وظلال الأشجار بيتا لعائلتها الصغيرة المكوّنة من طفلين، أحدهما بعمر السنتين وثانيهما بعمر الثلاث سنوات. هذه إحدى العائلات التي لم تسجل أسماءها في مفوضية اللاجئين. وتبقى أمنيتها الأولى العودة إلى حضن الوطن والزوج.

سعدى علوه، صحافية مسؤولة عن ملفّات النازحين والمحليات في جريدة “السفير”، وهي خبيرة في هذه الشؤون، تقول في حديث لـ”جنوبية”: “لا يوجد حصر للعدد الموجود في بيروت من الاطفال السوريين، ولا متابعة خاصة لتلك الظاهرة بهدف الحد منها. فالتسول موجود، وقد اكتشفت ذلك من خلال عملي على ملف النازحين بشكل عام، علما انه لا يوجد ملفّ يخصّ الاطفال المتسولين دون غيرهم، فالتسول يعتبر تكسّبا بهدف الربح، باستغلال الأولاد، وليس فقط بسبب الحاجة أو العوز”.

وشرحت علوه ان “برنامج الغذاء العالمي يعطي عبر مفوضية الامم المتحدة 40 ألف ليرة، اي ما يوازي 27 دولارا اميركيا للبالغ يوميا، وعشرين ألف، اي ما يوازي 13 دولارا للصغير. وهناك 50% فقط من النازحين مسجلين في مفوضية اللاجئين وتُعطى لهم تلك المعونات. علما ان هناك عائلات ميسورة تعيش على حسابها الخاص من اجمالي النسبة الموجودة كنازحين، وتقدم المنظمة لكل عائلة حصتين غذائيتين تسمى (إعاشة) تضم حبوبا وأرزا وسكرا وزيتا، لكن هذه المساعدة الغذائية خاليّة من اللحم والخضار والخبز”.

واضافت علوه: “الكثير من السوريين يعيشون في اماكن كانت تسكنها الحيوانات كزرائب، ومع ذلك تم تأجيرها لسوريين نازحين”.

وعمالة الأطفال، في التسول أو غيره، يعني تسرّبه من المدرسة.  وكثيرون من الاطفال السوريين يعملون مقابل سلعة. مثلا أحدهم يعمل مقابل 5 كلغ بطاطا بدوام 12 ساعة. وعليه، اضافة الى ذلك، عليه أن يبيع البطاط ليحصل على نقود قد لا تفي بحاجته الى الطعام اليومي.

السابق
تفجير ذخائر في محيط الغندورية
التالي
استقصاء بيروت: توقيف 10 لبنانيين وفلسطينيين