موت واحد: من فتح الإسلام إلى العبّارة

وفيق الهواري

توفي عشرات الأشخاص بينهم عدد من اللبنانيين بسبب غرق العبّارة البحرية التي كانت تنقلهم بطريقة غير شرعية من شواطئ إندونيسيا إلى استراليا. معظم اللبنانيين مات غرقاً وبعضهم اعتقل لاحقاً وأعيد القسم الأكبر منهم إلى لبنان، وهم من أهالي منطقة عكار الشمالية.

قبل ستة أعوام، قتل أيضاً العشرات من أهالي عكار، واعتقل المئات خلال حوادث مخيم نهر البارد عام 2007، وما زالوا معتقلين. يومها قبل الكثير عن تنظيم :فتح الإسلام”: صناعة سورية مخابراتية، صنيعة حريرية تستخدم وقت الحاجة… في حين لم يبحث مهتم بأصل هذا التنظيم وجسمه الحزبي، الأساسي. كان تنظيماً لبنانياً بامتياز ضم في صفوفه شبان من قرى شمالية مختلفة لم يجدوا فرص للتعلم والعمل، ولم تنفذ في مناطقهم خطط تنموية تؤدي إلى استقرار المنطقة وأهاليها.

شعر هؤلاء أنهم على هامش الحياة اليومية لا أمل لهم إلا بالعودة إلى الحياة الأولية التي يمثلها معتقدهم الذي يشكل ملاذهم الأخير، فحلموا بإمارة إسلامية تعيد لهم حقوقهم المسلوبة وتؤمن لهم الحياة الكريمة، وهاجروا من أماكن تحت السلطة الشرعية إلى مكان هو خارجها (مخيم نهر البارد).

حلت السلطة المسألة بالعنف، عالجت نتائج المشكلة ولم تبحث حتى بأسبابها. اعتقلت المئات منهم واحتجزتهم من دون أي محاولة لإعادة دمجهم بالمجتمع وتأمين متطلبات حياتهم المدينية، وأقفل المسؤولون آذانهم وأغمضوا عيونهم ومضوا. استمرت السلطة بتجاهل منطقة عكار حيث انتهى “فتح الإسلام” كتنظيم لتسود أفكاره المجتمعات المحلية هناك، ولتجد من بين المسؤولين المحليين من يغذيها أيضاً.

وأتت دورة العنف في سوريا لتزيد من مآسي أهالي عكار مأساة أخرى. فمن لا يقتل بقذيفة آتية من الجانب السوري، قتل بغياب فرص العمل، وتدهور الزراعة، وإقفال المحترفات الصناعية، فسدت أبواب الحياة أمامهم. وعلى ما قال أحد الناجين من عبارة إندونيسيا: “كنا نموت في لبنان كل يوم ميتة مختلفة. لكن هنا منموت ميتة واحدة”.

باتوا يفتقدون للأمن والأمان وإمكانية الحياة الكريمة. تجربة “فتح الإسلام” لم تفِدهم وأعادتهم أعواماً إلى الوراء، فخرجوا في هجرة جديدة، تركوا البلاد بطريقة شرعية ليحاولوا الوصول إلى أراضي الحلم الذي لم يستطيعوا تحقيقه بطريقة غير شرعية. فكان الموت بانتظارهم.

لم يحققوا حلمهم في بلادهم ولم يصلوا إلى بلاد الأحلام ليعيشوها، وأتت السلطة لتعيدهم إلى البلاد في محاولة لمعالجة نتائج المشكلة من دون أن ترفّ جفن مسؤول ويحكّ جلدة رأسه ليسأل عن الأسباب لمعالجتها.

أيضاً سيبقى أهالي عكار شأنهم شأن غيرهم من المقيمين على هذه المساحة المسماة لبنان يحاولون تحقيق أحلامهم عبر الهروب من مواجهة المشكلة وأسبابها ومن دون التفكير بكيفية معالجتها ومواجهة مسببيها.

السابق
نصري لحود: لسحب قضية لبكي من التداول
التالي
بيروت من بين أفضل 20 مدينة في العالم