الدولة دخلت الضاحية.. لكن خلعت حذاءها خارجها

حواجز الضاحية الجنوبية
هكذا إذا دخلت "الدولة إلى الضاحية بحثا عن "المتفجرات" الظاهرة، متجاهلة "قنابل" المخدرات، و"صواريخ" السيارات المخالفة التي تسحب اللقمة من أفواه سائقي سيارات الأجرة، ومتجاهلة "جرائم" المطلوبين المتلطين بعباءة حزب الله في مناطقه.
عبرت مئتي متر خلال مدّة تقارب الساعة. كانت في سيارتها والوجوم يرتسم على محياها متسائلة: ما الذي يجري وما هو سبب كل هذه الزحمة؟ ولماذا كل هذه الأعداد من عناصر الجيش اللبناني؟ 
إنها الساعة الرابعة والنصف من عصر الإثنين 23 أيلول ٢٠١٣. كانت نادين متوجهة من حلويات الإخلاص على طريق صيدا القديمة لزيارة صديقتها على تقاطع كنيسة مار مخايل. هذه المسافة التي كانت تستغرق 3 دقائق استغرقت ساعة. كان الجيش اللبناني يستعد لتسلم حاجز في المنطقة من عناصر لحزب الله، بحسب الخطة الأمنية التي ستنفذها الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية في الضاحية الجنوبية لبيروت.
“جنوبية” سألت نادين عن رأيها بما يجري وهل تؤيد الأمن الشرعي أم الأمن الذاتي فاستغربت السؤال وقالت: “أي خطة أمنية؟ وليش كل هالعجقة؟”. فأخبرناها بما يجري واذ بها تجيب ساخرة: “يعني هل ستنتهي الزحمة؟ المهم أن تكون كل هذه الإجراءات لصالح الناس، وأن يتوفر الأمن، بدنا يرتاح بالنا ونعيش مرتاحين”.
ترجل عناصر الجيش اللبناني من آلياتهم، وغادر عناصر حزب الله بعدما أزالوا العوائق الحديدية الخاصة بهم لتحل مكانها تلك العائدة الى الجيش اللبناني، وسط ارتياح وترحيب من أهالي المنطقة.
وعلى غرار منطقة مار مخايل اتخذت قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني والأمن العام الاجراءات الأمنية لحماية المواطنين في الضاحية بعد قرابة شهر على ارساء حزب الله أمنه الذاتي.
72 حاجزا أقامتها الأجهزة الأمنية في مختلف مناطق الضاحية، ٤٤ حاجزا لقوى الأمن الداخلي و8 للأمن العام و20 للجيش.
هكذا عادت الضاحية في الشكل الى كنف الشرعية، إلا أن هذا الوجود الأمني وجد من يكسّر من مفاعيله ويردعه عن تلبية مطالب سكان المنطقة. إذ أعلن وزير الداخلية مروان شربل أن العناصر الأمنية “مولجة فقط بالبحث عن السيارات المفخخة ليس أكثر”. وطالبهم “بعدم التلهي بقمع المخالفات”. كلام الوزير أفرغ الخطة من مضمونها وقتل الأمل في مهده، فأوحى بأن كل التطبيل والتزمير الإعلاميين بدخول الشرعية الى الضاحية ليس إلا فلوكلورا لبنانيا لا يغني ولا يسمن وكأن لا أمن ولا من يأمنون.
بعد ساعات على بدء تطبيق الخطة الأمنية جالت عيون “جنوبية” في شوارع الضاحية مستطلعة آراء السكان عن الضيوف الجدد. معظم الأهالي أبدوا ارتياحا وترحيبا. وهناك من طالب بتوسيع صلاحياتهم. مازن س. قال لـ”جنوبية” إنه يرحب بالخطة: “نحن دوما نطالب بدخول الجيش، الدولة لنا وأهلا وسهلا بها، وهي الكفيلة بتوفير أمننا”. أما علي ز. فاعتبر أن “الجيش والمقاومة روح واحدة بجسدين”، قائلا: “لا يمكننا الفصل بين الجيش والمقاومة وأهلا وسهلا بالدولة والجيش والشعب والمقاومة”. أما فاطمة فأبدت امتعاضها “من مظاهر الأمن الذاتي وما نتج عنها من مضايقات”، وتوجهت عبر “جنوبية” الى المعنيين مطالبة “بحصر عمل المقاومة في الجنوب وبتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية لتضبط جميع المخالفات لأن الضاحية جزء من الدولة اللبنانية”.
أصحاب المحال التجارية أبدوا بعضا من التفاؤل بدخول الجيش اللبناني متمنين إتمامه مهامه كي “تتراجع التجمعات الشبابية لتعود الضاحية سوقا آمنا يقصده الناس من مختلف المناطق اللبنانية”. أما السائقون العموميون فمطالبهم تتخطى حصر مهام العناصر الأمنية بالسيارات المفخخة. فهم يريدون من “الدولة” “قمع جميع مخالفات السيارات العمومية”، على ما يقول الحاج سليم، وهو سائق عمومي في العقد الخامس تمنى عبر “جنوبية” أن “تتم مكافحة السيارات ذات اللوحات المزورة”، وأضاف: “كتير سيارات مخالفة لازم يحجزوها،وهناك سائقين ما معهم رخص سوق، وفي سائقين لوحاتهم بيضاء وبيطلعوا ركاب لازم يوقفوهم، هيدا أهم من كل شي”.
أما العم أمين، الذي كان يقف بالقرب من حاجز لقوى الأمن الداخلي في عين الدلبة، فأمل بأن “تقوم العناصر الأمنية بمكافحة الشغب وملاحقة المطلوبين، خصوصا مروجي المخدرات والذين يتعاطوها: “هؤلاء أخطر على الناس من السيارات المفخخة فهم يقتلون كل الناس ومن مختلف الأعمار”.
هكذا إذا دخلت “الدولة إلى الضاحية بحثا عن “المتفجرات” الظاهرة، متجاهلة “قنابل” المخدرات، و”صواريخ” السيارات المخالفة التي تسحب اللقمة من أفواه سائقي سيارات الأجرة، ومتجاهلة “جرائم” المطلوبين المتلطين بعباءة حزب الله في مناطقه. وهكذا دخلت “الدولة” برأسها فقط لتبحث عن سيارات مفخخة، وتركت محاضر الضبط ويديها وقدميها على أطراف الضاحية. أو قل هي خلعت حذاءها قبل أن تدخل إلى “منزل” حزب الله، الذي لا يقبل سلطة فعلية غير سلطته. 
السابق
جلسة لفرعية اللجان لتعديل قانون الايجار التملكي غدا
التالي
الوفاء للمقاومة: للافراج عن المرزوق وجميع المعتقلين السياسيين في البحرين