الحزبية الغائبة 6 : عن المال والعصبيات والخيبات

الدكتور رشيد شقير
ما زلنا نشهد أستمرار الأيديولوجيات السياسية منذ نشأة الأحزاب اللبنانية، في ثلاثينيات القرن الماضي، كأيديولوجية القومية العربية "البعث والناصرية"، واللبنانية كـ "الكتائب"، والليبرالية، كـ"الوطنيين الأحرار"، والشيوعية"، "كالحزب الشيوعي اللبناني ومجموعات اخرى.

في حمأة الصراع السياسي في لبنان تغيب اﻻحزاب عن المشهد ويحل محلها اسم الزعيم أو الطائفة . من جهة يتحول الصراع الى نزاع على مغانم طائفية باستقواء كل طائفة بجهة خارجية، وتغيب المساءلة الشعبية التي تمثلها اﻻحزاب . ومن جهة ثانية ، تتحول هذه اﻻحزاب الى مجرد وقود في محركات اللعبة الطائفية المغطاة من الخارج . فما الذي أوصل الحياة الحزبية الى هذا الدرك؟

‘جنوبية’ تفتح ملف العمل الحزبي في لبنان . وفي ما يلي الحلقة السادسة

رشيد شقير: تكرار إيديولوجي

رشيد شقير باحث وأستاذ علم الأجتماع السياسي في الجامعة اللبنانية، وناشط في حقل الشأن العام. وعضو قيادي في حزب العمال الثوري العربي سابقاً، وحالياً يتجه لتأسيس حركة سياسية لبنانية ديمقراطية وعلمانية، تتبنى الحقوق الأجتماعية للمواطنين. هنا معه هذا الحوار:

• بصفتك حزبياً قديماً هل لنا ان نعرف منك واقع العمل الحزبي بين الماضي والحاضر؟

ما زلنا نشهد أستمرار الأيديولوجيات السياسية منذ نشأة الأحزاب اللبنانية، في ثلاثينيات القرن الماضي، كأيديولوجية القومية العربية “البعث والناصرية”، واللبنانية كـ “الكتائب”، والليبرالية، كـ”الوطنيين الأحرار”، والشيوعية”، “كالحزب الشيوعي اللبناني ومجموعات اخرى”، والاشتراكية، كـ”الحزب التقدمي الاشتراكي”، والأسلاموية، “كالجماعة الاسلامية، و”حزب التحرير “و”الحركة السلفية وحزب الله”. والطائفية التي نمت في اوساط القوى الأسلاموية والمسيحية، سواء ارتدت طابعاً قومياً كـ”الكتائب” و”القوات اللبنانية” والوطنيين الاحرار”، او اشتراكيا “الحزب التقدمي”، او لبنانياً “حركة امل وتيار المستقبل” او اسلامويا شيعياً سنياً.

ولقد جمعت هذه القوى بنى تنظيمية متماثلة في العمق، رغم اختلاف اشكالها، وتنظيم داخلي يرأسه قائد او زعيم، ذو صيغة استبدادية تتماهى مع نظام الأستبداد الطائفي من ناحية، وتنقل تجربة السلف السياسي من ناحية اخرى، بحيث إن مظاهر الديمقراطية ان وجدت، عبر الإنتخابات الحزبية الداخلية، حافظت على هذه المركزية القيادية…

ولقد أستقطب كل من هذه القوى جمهوراً مناسباً عبر تاريخه من دون ان يستطيع بلوغ الشعبية المناسبة للفوز بالسلطة، وإنما اقتصر تمثيله فيها على ما سمحت به موازين القوى في سياق التمثيل الطائفي ضمن نظام الكوتا الذي ينص عليه الدستور اللبناني، فكانت الغلبة شبه الدائمة في السلطة للقوى والزعامات الطائفية اكثر بكثير مما للقوى غير الطائفية.

لذلك فأن لبنان ما زال يشهد استمراراً لوجود القوى الحزبية التي نشأت في أوضاع سابقة، و ما زالت تكرر نفسها على اصعدة عملها المختلفة.

ويجب التمييز بين الأحزاب اليسارية التقليدية التي ما زالت تعمل على إثبات حضورها في الحقل السياسي اللبناني، والقوى الطائفية.

• ما هي نظرتك إلى الواقع العربي اليوم؟

إن ما يبعدنا عن العصر يكمن في العيش في اللادولة، في الماضي السحيق، وتكتلاته الموروثة في حاضرنا الظالم والمظلم، وفكرها المستعاد في دائرة ضيقة، والاستبعادي أو الإقصائي لكل ما يرتقي بإنساننا إلى مستوى الإنتاج والإبداع في حياة فكرية واجتماعية وسياسية سوية. إذ ثمة في بلادنا العربية وجهان ل”الدولة” يقبع فيهما نظام الاستبداد: الأول أكثر شيوعاً، ويتمثل بمركزية تربط بنى وعمل مؤسسات الدولة بإرادة الحاكم وحاشيته، والثاني لبناني، حيث تتكون “الدولة” من مراكز قوى طائفية، متوافقة أو متنازعة، وتتقاسم النفوذ في مؤسسات “الدولة” على قاعدة علاقات الاستزلام الطائفية التي تتحكم ببنية هذه المؤسسات وعملها، وهي العلاقات نفسها التي تتحكم بالدولة في العالم العربي.

ولقد وضعنا كلمة “دولة” بين مزدوجين لغياب، أو بالأحرى استبعاد فكرة “المؤسسة” التي تنشأ بحسب القانون وتقسيم العمل وفاقاً لاختصاص المؤسسة والمؤهلات المتعلقة به، والمنفصلة عن الأشخاص الذين يحتلون الوظائف والمناصب فيها، فضلاً عن استقلالها إزاء السلطة السياسية، وخصوصاً إذا تعلق الأمر بأجهزة الأمن والقضاء ووسائل الإعلام….

والمؤسف أن القوى السياسية في لبنان بقيت أسيرة أيديولوجيات سياسية “طائفية، وغير طائفية بمسميات مختلفة أيضاً” تستبعد أهمية الدولة- المؤسسة ودستورها، حيث بقيت هذه موضع تجاذب بين القوى السائدة، أو مشروطة بتوافقها لتستقر الأوضاع السياسية والإقتصادية والأمنية، وهو توافق بقي معلّقاً إلى حين تفاهم المراجع الدولية والإقليمية والعربية…

إن أي مشروع سياسي مستقبلي يتجاهل أهمية الدولة في إدارة الحياة العامة، والسياسية منها بشكل خاص، يدخل في صراع سياسي من أحل الغلبة أو حصة ما في السلطة. وهذا ما ينبغي ترسيخه في الوعي الديمقراطي والعلماني والحقوقي شرطاً ضرورياً للوحدة الوطنية.

• كيف برأيك يمكن إنقاذ هذا الوضع؟

إذا كان لا بد من قيام حالة “إنقاذية” فاعلة للتأزم السياسي الموتور في لبنان، فإنها لن تكون إلا خارج الدائرتين الآذاريتين، قوى 8 و14 آذار خطاباً وممارسة. إن أي مشروع سياسي إنقاذي لن يكون بهذه الصفة فعلاً ما لم يتجاوز الإنقسام الطائفي، ويعبر في بنيته الطوائف المختلفة، وينغرز في الوسط الشعبي لتحريكه في اتجاه التغيير، ما يشترط خطاباً ديمقراطياً وعلمانياً بلا إلتباس أو مناورة، فضلاً عن إلتزام الحقوق الاجتماعية للمواطنين، وتبني مواقف سياسية توحيدية ومتمايزة عن القوى الطائفية، وبما يمهد لتحرك متصاعد استنكاراً للصراع الآذاري الذي يضع البلاد على حافة “الفتنة”، فضلاً عن إلتزاماته الخارجية التي تنحر الوطن والمواطنين وتستبعد أي تصور للمصلحة والوحدة الوطنيتين.

هذا هو “الإنجاز” الحق الذي تمكن المفاخرة به في هذه المرحلة، على أنقاض التجارب السابقة للعمل “الوطني” في لبنان، بما فيها تجربتي الشخصية التي إنتهت إلى ترك الصيغة الحزبية السابقة لجمودها على الصعيدين الفكري والتنظيمي…. فالفكر حركة دائمة تواكب حركة الواقع ومتطلبات تغييره، ولا بد للتنظيم السياسي من أن يترجم هذه المواكبة بصيغة مرنة واكثر ديمقراطية.

السابق
بوتين يقرر تزويد ايران بمنظومة الصواريخ المتطورة من طراز اس300
التالي
سفينة إنزال روسية تتوجه الى سواحل سوريا