طردها من المنزل الزوجي فاعادتها جرأة القضاء

طردها من منزلها وأعادها القضاء
أثمَرت جهود المجتمع المدني في قضية حماية النساء من العنف الأسري، قراراً قضائياً جريئاً أمس، على رغم عدم صدور القانون، ليُضيء بوضوح على قدرة القضاء اللبناني في استعادة دوره كضامن للعدالة.
لم تنتظر المحامية العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية أرليت تابت، “هِمّة” النواب في إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسريّ، لتضع حدّاً لمعاناة أمّ وطفلتين، فاتخذت قراراً جريئاً بحمايتهنّ من ظلم الزوج والأب.
وفي التفاصيل، غادرت إحدى السيدات (نتحفّظ عن ذكر الإسم) منزلها الزوجي في قرنة الحمراء (قضاء المتن) أمس الأول مع طفلتيها (أربع سنوات وسنتين وشهرين)، لتعود بعد بضع ساعات، فتجد أن أقفال باب المنزل قد تغيّرت، فاتصلت بزوجها للإستفهام عن الأمر، إلا أن الأخير أبلغها أن لا مكان لها في المنزل بعدما باعه الى أحد أصدقائه المقرّبين، وأن عليها العودة مع الطفلتين الى منزل والديها.

وقع الخبر كالصاعقة على الزوجة، فعلى رغم وجود بعض الخلافات الزوجية السابقة، إلا أن هذه الخلافات لم تبلغ حدّاً يتوقّع معه أن يتخذ الزوج هذا الموقف.

لجأت السيدة الى النيابة العامة الإستئنافية، فاطّلعت القاضية تابت على القضية، لتسارع الى إصدار إشارة الى قوى الأمن الداخلي، بفتح المنزل وإعادة العائلة اليه، ريثما يؤمن الزوج منزلاً بديلاً على أن يتعهّد بذلك، وأمرت بتوقيف الزوج الذي ادعت ضدّه الزوجة بأخذ مصاغها، ثم أطلقته لاحقاً بعد إعادة ما أخذه.

أثار القرار الجريء ضجة كبيرة في الأوساط الحقوقية لا سيما تلك الداعمة لحقوق المرأة، وشكل سابقة لعدم وجود نص قانوني نافذ يحمي الزوجة والأولاد في مثل هذه الحالات، خصوصاً أن قانون حماية النساء من العنف الأسري الذي نصَّ على تأمين منزل بديل للزوجة لم يصدر بعد، في وقت لا تزال بعض نصوصه موضع جدل بين هيئات المجتمع المدني وبعض النواب، على رغم إقراره في اللجنة النيابية الخاصة.

إلا أن القرار إنسجم في المقابل مع مبدأ تطبيق القضاء للعدالة والإنصاف في غياب النصّ القانوني، وأتى ليترجم حرية التقدير الممنوحة للقضاء الجزائي، في سبيل رفع الظلم وحماية الأشخاص من أي خطر محتمل.

من جهة أُخرى، أثار القرار تساؤلاً قانونياً عن مصير عقد البيع الذي نظّمه الزوج لمصلحة صديقه. وفي هذا الإطار أوضح وكيل الزوجة المحامي الياس مارون في اتصال مع “الجمهورية” أن المنزل لا يزال مسجّلاً على إسم الزوج، مرجّحاً ان يكون البيع صورياً، ومستبعداً في الوقت عينه لجوء المشتري الى أي اعتراض على إشارة النيابة العامة خصوصاً أن علاقته تنحصر بالبائع. ونوّه مارون بموقف النيابة العامة، معتبراً أن “تحرّكها السريع حمى الأسرة من خطر التشرّد”.

بدورها، رحّبت منظمة “كفى عنف واستغلال” بالقرار، وأشارت المسؤولة الإعلامية لديها مايا عمّار لـ”الجمهورية” الى أن القرار “يعكس أحد أبرز مواد مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري التي تنص على وجوب تأمين مسكن بديل للزوجة في حال تعرّضها للعنف أو الطلاق وذلك ضمن قرار الحماية”.

قرار تابت يعكس في نظر إحدى ناشطات المجتمع المدني مدى تأثير حملات التوعية الإجتماعية، وما رافقها من دورات تدريبية للمعنيين في القضاء والامن، ويعيد الى الذاكرة، القرار الذي اتخذه القاضي جون القزّي خلال تولّيه رئاسة محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان، والذي سمح بموجبه لوالدة لبنانية بمنح جنسيتها لأولادها من زوج غير لبناني. القراران المتباعدان في الزمن استعادا الدور الجوهري للقضاء، في حماية الضعيف، وأعطيا حقوق الإنسان الأولوية على حرفية النص القانوني.

السابق
لا تراهنوا على توماهوك
التالي
ذكريات فريال كريم