سوسان يكشف تفاصيل سبقت أحداث عبرا

 بين كل التساؤلات، وعندما وقع المحظور، تُطرح جملة من التساؤلات، عن الظروف التي أدت إلى حصول الإشكال بين الأسير ومناصريه والجيش، وليس بين الأسير و«سرايا المقاومة»، خاصة أن المعركة عندها كان سيكون لها تداعيات تفوق منطقة عبرا وصيدا والمخيمات إلى لبنان بأسره؟…

وتحت زخات الرصاص يوم الثلاثاء، كان يتنقل مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان، المنشغل بترتيب بيت الطائفة، في ظل القرارات «الخنفشارية» والتصرفات العشوائية التي يقوم بها الشيخ محمد رشيد قباني، ومهمة سحب فتائل التفجير، والعمل على تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، وحتى المتابينين في التوجهات السياسية من فاعليات وقوى في «عاصمة الجنوب» والجوار…

انتقل المفتي سوسان تحت حمم القذائف وزخات الرصاص من مكان إلى آخر، وصولاً إلى «مسجد بلال بن رباح» حيث التقى الشيخ الأسير، وتم التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، وهذا ما كان يوم الثلاثاء، وواصل المفتي مساعيه على أكثر من صعيد ليلتقي بمسؤول بارز في «حزب الله» قبل دقائق معدودات من إندلاع الإشتباك بين الأسير والجيش اللبناني ظهر الأحد المشؤوم…

{ لماذا لم يكتب لمبادرة المفتي سوسان النجاح؟

{ وهل من علاقة بين اجتماعه الأخير واندلاع الاشتباكات؟

{ وكيف حصل الاشتباك بين الأسير والجيش، وليس بين الأول و«سرايا المقاومة»؟

{ لماذا استهدف الجيش، وما هي دوافع وظروف هذا الاستهداف؟

{ كيف هي السبل لمعالجة تداعيات ما جرى أمنياً وسياسياً وإغاثياً وإنسانياً؟

{ ماذا عن ملف الموقوفين الفارين أو الذين أدرجت أسماؤهم على اللوائح كمطلوبين؟

{ كيف ستتم معالجة من أُدرجت أسماؤههم كمموّلين للأسير؟

{ ما هو مصير من كان يتردد للصلاة في «مسجد بلال بن رباح»؟

{ أليس ما جرى بات يطرح أهمية أن تتولى دائرة الأوقاف الإسلامية في كل منطقة، مسؤولية المساجد التي يقوم بتشييدها أشخاص أو جمعيات، ويتم إختيار وتحديد من يريدون لتولّي الصلاة والخطابة في هذه المساجد دون أن تكون هناك ضوابط أو التزام بتعاميم الأوقاف؟…

{ ما هو دور رجال الدين، المسؤولين بالدرجة الأولى عن العمل والدعوة، إلى نبذ الخلافات المذهبية والطائفية، والدعوة إلى التعاون والوحدة بين أبناء المذاهب والطوائف وأبناء الوطن الواحد؟

كل هذه الأسئلة حملناها إلى المفتي سوسان، الذي أجابنا عنها بصراحة…

وفي ما يلي نص الحوار:

التمسّك بالثوابت الصيداوية

{ كيف تنظرون إلى الوضع حالياً في مدينة صيدا؟

– صيدا ليست جزيرة في البحر، بل هي جزء من هذا الوطن، وهذا الوطن جزء من هذه الأمة، يتأثر بتداعيات ما يحدث على صعيد الصراع والانقسام السياسي فيه، وعلى مستوى الوضع الإقليمي وما يحصل في سوريا وغيرها.

وأعتقد أن الأوضاع في صيدا بدأت تشهد شيئاً من الإستقرار الأمني، على أساس الثوابت الصيداوية التي أطلقت خلال أزمة عبرا، هذه الثوابت التي تؤكد أن لا سلاح في مدينة صيدا إلا سلاح الشرعية، والسلاح القانوني، هو سلاح الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وغيره من السلاح، سلاح مرفوض.

وقد أكدت هذه المدينة وتؤكد، تمسّكها بالدولة القوية العادلة، الدولة التي ترعى المواطنين وتقوم بواجباتها تجاههم بالتساوي، هذه المدينة أكدت التمسّك بالاعتدال، والمقصود بكلمة اعتدال، هو الحقوق والواجبات المتساوية لكل المواطنين – بصرف النظر عن انتمائهم المذهبي.

أنا أقول المشكلة في صيدا ليست مشكلة مع الشيعي أو المسيحي، بل المشكلة الفلتان في صيدا – بصرف النظر عمن يسببه – «الأزعر» ليس له هوية، إن كان سنياً أو شيعياً أو درزياً أو مسيحياً. صيدا هي مدينة التآخي بكل تعدديتها وأنواعها، وهي حرصت على وحدة الصف والتلاقي، ورفضت الفتن المذهبية والطائفية، وتمسكت بالعيش المشترك والسلم الأهلي، وكان الجيش هو العنوان الأكبر لهذا السلم الأهلي.

المشكلة مع «الأزعر» والمُتسلط

{ هل يُمكن أن نعيد التلاحم والتآخي والوحدة بين أبناء المدينة والمقيمين فيها ومع الجوار؟

– لا شك إذا ما اتفقنا ووقفنا جميعاً بوجه هذا الشحن المذهبي أو الطائفي من أي جهة كان، وأكدنا بقبول الواحد منا للآخر، ليس بالكلام، وإنما بالتصرفات، وكنا جميعاً فريق إنقاذ أمام أي حادثة تحصل من جاهل أو غبي أو قاصدٍ بسوء من هنا أو هناك، نستطيع أن نؤكد على وحدة الصف والتلاقي، فمدينة صيدا تمتاز بموقعها الجغرافي وعمقها الجنوبي ومع شرقها ومحيطها من المخيمات.

طبعاً حضور الدولة، ووجود الدولة، وقيام الدولة بواجباتها، وشعور المواطن أنه في ظل دولة قوية عادلة، خلق حالة من التلاقي الاجتماعي والنشاط الثقافي في مدينة صيدا والجوار.

أنا منذ اليوم الأول ذهبت إلى حارة صيدا، وصيدا عاشت في مصاهرات كبيرة، بمعنى أن معظم العائلات يوجد في منازلها، إما صهر شيعي أو كنة شيعية، وهذه أمور موجودة في مدينتنا، وأقول وأؤكد أنه ليس عندي مشكلة مع الشيعي، بل المشكلة مع «الأزعر» ومن يقوم بالتسلط والاستفزاز، عندي مشكلة مع السلاح غير الشرعي والقانوني في مدينة صيدا، ولم نقل أنه لدينا أي مشكلة أو حساسية تجاه الشيعي، نحن كلنا نعبد الله الواحد الأحد، نبينا محمد (#)، نؤمن بالقرآن الكريم، ونصلي على رسول الله وآله وأصحابه. هذه صيدا، وأخلاق صيدا وعادات صيدا.

مُعالجة ما جرى في عبرا

{ أين أصبحتم في مُعالجة تداعيات ما جرى في عبرا، لجهة الاتصالات السياسية ومع الجيش اللبناني والقوى الأمنية؟

– ما حصل في عبرا قد حصل، وكنا نتمنى أن لا يحصل، ورحم الله الشهداء كل الشهداء، وشفى الله الجرحى كل الجرحى، وحتى لا نكرر الكلام الذي قلناه أكثر من مرة، هناك جوانب عدة للموضوع منها: الجانب الأمني والإغاثي والإنساني، وما يتعلق بـ «مسجد بلال بن رباح».

ما يتعلق بالمسجد: منذ اليوم الأول صدر حكم قضائي من محكمة صيدا بأن تتولى دائرة الأوقاف هذا المسجد، نظراً لغياب المتولي الشيخ أحمد الأسير، وكلفنا القاضي الشيخ محمد أبو زيد إماماً منفرداً في «مسجد بلال» يقوم بواجباته الدينية.

أما فيما يتعلق بالموضوع الإغاثي: فقد كلف الجيش فرقه الهندسة مسح هذه الخسائر، وقام رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي بالتعاون مع رئيس بلدية عبرا وليد مشنتف، بمسح ما أصيب من أبنية، والجميع يقول أنه مربع أمني، لكن في الحقيقة ليس مربعاً ولا مثلثاً ولا مستطيلاً، بل أن هناك 72 مبنى متضررين، هذه البنايات بعضها مُتضرر بشكل مباشر من الحرب، وبعضها بالنهب والسرقة. وتقوم مع «الهيئة العليا للإغاثة» وبمساعدة النائب بهية الحريري، مشكورة تقديم هذه المساعدات. وأعتقد أنه يوم بعد آخر سيعود الكثيرون من الساكنين في تلك المنطقة، بعد أن تصبح بيوتهم صالحة للسكن.

وفي الموضوع الإنساني: هذا يحتاج إلى وقت طويل – حتى يتمكن الأطفال من أن يعودوا إلى طبيعتهم، بعد الذي حصل ما حصل، وسمعوا ما سمعوا، وأريد أن أقول وأدق جرس الخطر منذ الآن، على المؤسسات التربوية والتعليمة التنبّه للعام الدراسي المقبل، على أن الأولاد صعقوا بما حصل معهم، وكذلك ما زرع من فتنة مذهبية يتأثر بها الأطفال، والصبيان أكثر من غيرهم.

وبشأن الجانب الأمني: حتى اللحظة هناك مشروع أمني يُحضر له بأن يكون تواجد الدولة أكثر حضوراً في صيدا وفي المناطق اللبنانية، وهذا أمر يحتاج إلى غطاء سياسي، حتى يكون موقف الدولة وأجهزتها أقوى، وهذا الأمر سوف يُعمل عليه، وقريباً إن شاء الله يُترجم إلى وضع اليد على هؤلاء العابثين بالأمن.

متابعة ملف الموقوفين

{ أين أصبح ملف الموقوفين في أحداث عبرا، هل تم حله، أم أنه ما زالت هناك عقد؟

– الحقيقة زارتني زوجة الشيخ أحمد الأسير، وطرحت هذا الموضوع. وبشأن هذا الملف ما فهمته من قائد الجيش العماد جان قهوجي، ومن الأجهزة المعنية بهذا الموضوع، أن كل من لم يتورط بالسلاح سوف يُطلق سراحه، إذا كان موقوقاً. والجيش ومخابرات الجيش والأجهزة الأمنية بدأوا تنفيذ ذلك.

وقدّمت كشفاً بأسماء بعض الأشخاص الذين غادروا مدينة صيدا، وإذا كانوا غير ملاحقين، فليعودوا إلى بيوتهم وعائلاتهم، بخاصة إننا في شهر رمضان.

{ ما هي أسباب المغادرة، هل يخشون من التوقيف؟

– طبعاً، لأنه يوجد مفهوم خاطئ أن كل من كان يُصلي في «مسجد بلال بن رباح» فهو مُلاحق، وهذا مفهوم خاطئ، وغير صحيح.

{ فقط المصلين، أم الداعمين أيضاً؟

– بعض الداعمين، وحسب ما فهمت، وما أكد لي قائد الجيش والمسؤولين، أنهم لم يُلاحقوا إذا لم يتورطوا في موضوع السلاح.

لقد أنهينا موضوع الشهداء، الذين نعاهم «مسجد بلال بن رباح»، وهم: محمود محمد الحلبي، محيي الدين قصبية، سعد الدين جميل كرجيه، أحمد محمود الحريري، محمد سليم بركات، يونس فايز لحام، توفيق عساف عساف، أحمد محمد الحريري، عبد الرحمن شمندر، نادر عدنان بيومي، وسيم الثمين، محمد هشام العر، أحمد فرج العبد وجثتان محروقتان.

ولم يعد هناك جرحى في المستشفيات الصيداوية.

وما زال هناك 29 موقوفاً و10 أشخاص غائبين من أصل 280 كانوا موقوفين، وسيكون هناك إخوة من المحامين يتابعون كافة القضايا، ويتوكلون بالدفاع عن الموقوفين.

{ التقيت مسؤولاً في «حزب الله» قبل الحادث كنت تقومون بواسطة من أجل إنهاء التشنج الذي كان قائماً، وكان الموعد الاثنين، وتم إرجاؤه، ما الذي حال دون أن تبقى الأمور ممسوكة؟

– يوم الثلاثاء كنت في الشارع، وكنت أفصل ما بين بعض الشباب، وكان معي بعض ضباط قوى الأمن، ذهبنا إلى «مسجد بلال»، وتقابلنا مع الشيخ أحمد الأسير، ووعدنا بأن لا يقوم بأي مشكلة.

دخلنا بواسطة حتى يوم الاثنين، بأن لا يكون هناك شيء، كان هناك موعد مع بعض المسؤولين في «حزب الله» كان المفروض يوم الخميس، وأنا طلبت منهم أن يتأخر إلى يوم الأحد وخلال هذه الفترة كان لي عدة زيارات لكل القوى الصيداوية: الرئيس فؤاد السنيورة، النائب بهية الحريري، الدكتور أسامة سعد، الشيخ ماهر حمود، الدكتور عبد الرحمن البزري، الجماعة الإسلامية، وبلدية حارة صيدا.

ويوم الجمعة خرجت من صيدا وتكلمت معه قبل أن يصعد على المنبر، وكانت خطبته هادئة جداً، وذكّرني وحدثني كثيراً عن موضوع الشقق، ويوم السبت جلست مع الشيخ أحمد الأسير، واتفقت معه أن لا يكون أي مشكلة، وكان هادئاً.

وأكثر من مرة تشاورنا مع الشيخ الأسير، ووعدت وعداً صادقاً بأنه لن يكون يوم السبت هناك أي استفزاز أو مشاكل، لأنني أخبرته أننا نريد أن ننقذ العام الدراسي وأولادك من ضمنهم، وقال لي: «بعد المدارس في رمضان والعيد…».

حقيقة عقدت يوم الأحد (يوم حصول الحادث) لقاءً مع أحد الشخصيات الكبيرة في «حزب الله». اجتمعنا في فيلا في منطقة صيدا، واتفقنا، وكان إيجابياً بشكل كبير بشأن موضوع الشقق، وانتهى الاجتماع بُعيد الواحدة ظهراً، وعدت إلى بيتي، ثم بعد ذلك حصل ما حصل….

{ برأيك عندما خرج هذا المسؤول، هل أُتخذ القرار، أم أن القرار كان مُتخذ قبل ذلك؟

– أنا على ثقة أنه كان هناك مقاتلين غير الجيش اللبناني.

وهنا أسأل، ماذا فعلت صيدا حتى تقصف من مار إلياس، كثافة النيران كانت كبيرة، ويبدو أن صيدا في «عين العاصفة». هذه مدينة لا تُؤسر، ولا تخطف، لا بمنطق ديني ولا حزبي ولا أمني.

هذه المدينة حرصت وحملت كل قضايا الوطن، وفي مقدمتها قضية فلسطين. ونحن إذا كنا قد رفضنا الاعتداء على ضباط وجنود الجيش اللبناني، فإننا في الوقت نفسه لا نقبل الاعتداء عليه، إذا كان الجيش أبناؤنا وإخوتنا، فإن أبناء صيدا هم أبناء هذا الوطن.

كانوا يريدون وقف إطلاق النار

{ هل تعني أنه جرى استدراج الشيخ الأسير إلى هذا الفخ؟

– أعتقد أن الكلام الآن ثقيل، كنت على تواصل مع الشيخ أحمد الأسير حتى صباح الاثنين، وآخر مكالمة كانت الساعة الحادية عشرة والربع، من داخل المسجد.

{ ماذا أُبلغت في الاتصال الأخير؟

– كانوا يريدون وقف إطلاق النار.

{ لماذا لم يستجب الجيش لوقف إطلاق النار؟

– لم يستجب الجيش لوقف إطلاق النار، لأنه يريد أن يُسلم مُطلقو النار أنفسهم، وقلت لهم أعطوني ساعتين، أدخل إلى المسجد، لكن لم يتم التجاوب.

وأنا سألت هذا السؤال إلى قائد الجيش، وما قاله لي: «كنت حريصاً على صيدا، ولكن سقط لي فوراً 6 شهداء وبينهم ضباط». وأنا أؤكد على شيء بأن المسجد لم يصب بأي رصاصة، فقد كان الجيش حريصاً على الجامع. وأنا والقاضي الشيخ محمد أبو زيد أول من دخل إلى الجامع.

ماذا كان سيحصل؟

{ هل تعتقد أن إشكالاً فردياً كان يستدعي الهجوم على الجيش وإطلاق النار عليه وقتل ضباطه وعناصره؟

– أريد أن أسأل سؤالاً، لنفترض أن الحادثة لم تكن مع الجيش مباشرةً، ماذا كان حصل في مكونات صيدا، وأنت تعرف أن في صيدا مخيماً كله من الطائفة السنية، أعتقد أنه كما قال الرئيس السنيورة «نصب له فخ ووقع فيه».

أما المسلحون الآخرون، وكل من ينكر يسأل النائب وليد جنبلاط لماذا اتصل، وهو صرح بذلك على «التلفاز» عندما كانوا في تلة مجدليون بالقرب من فيلا الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقال: «أنا اتصلت بوفيق صفا، وتم سحب المسلحين»، وقد شوهد عشرات الأشخاص يضعون الإشارات الصفراء في منطقة عبرا… لكن المعركة حصلت…

{ كيف يُمكن التعاطي مع الشباب المندفع الذي ما زال يؤم «مسجد بلال بن رباح»، والذي يُعبّر عن آرائه بالتظاهرات أو الإعتصامات؟

– نحن في لبنان، وأنت تؤمن وتفكر كما تريد، نحن لا نعيش في سوريا أو ليبيا، أما أن تتصرف بما يُخالف القانون، هذا مفروض أن لا يحصل، والقاضي الشيخ محمد أبو زيد يقوم بدور الإمامة في المسجد، والذين يؤمّون ويأتون ويزورون «مسجد بلال»، لم يأتوا من كوكب آخر، هم أبناء هذه المدينة، من أبناء صيداوية، قد يكونون استفزوا في تفكيرهم وعقولهم، قد يكونون أُثيروا، لكن الأمور لا بد أن توضع في نصابها الحقيقي، في الفهم الديني الصحيح بدون الشحن المذهبي. أنا ضد هذا الشحن المذهبي، وعندما تشتعل هذه النيران قد تحرق من حولها، ولن تسأل عن هوية من تحرقه.

أنا مع الدولة وسلاحها الشرعي، و«الأزعر» بالنسبة لي لا هوية له. هناك مهمة على رجال الدين والسياسيين، رفض الخطاب السياسي المُتشنج، وعلى المثقفين والنخبة من هؤلاء، وعلى المجتمع الأهلي بمؤسساته الثقافية والتربوية، وعلى كل من يهتم بهذه المواضيع. أن يرفضه، هذا أمر ليس بالسهل أن تزيله من عقول أطفالنا وشبابنا، طبقاً لما حصل، هذا الأمر يحتاج إلى جهد كبير، وإلى خطاب سياسي هادئ، وخطاب ديني غير مُتشنج وغير شاحن للتوجه المذهبي والطائفي، يحتاج إلى القطاع التربوي وإلى النوادي، وإيجاد حالات من النشاطات الجماعية المشتركة، حتى يكتشف كل واحد منهم الآخر، فيقترب منه ويتفهّم ويفهم شيئاً من المنطق والعقل، حتى لا تروى القصص من بعيد.

{ الشيخ أحمد الأسير دعا أبناء الطائفة السنية في الجيش إلى تركه، ألم يكن ذلك مُؤشراً للمخطط الذي كان يُفكر به؟

– لا أحد يعرف ما يوجد في عقله، وأنا ضد هذه الفكرة…

كان يوجد دم في صيدا

{ في أجواء شهر رمضان، كيف تُساعدون عائلات الضحايا وأهالي المنطقة والصيداويين والوافدين من اللاجئين السوريين؟

– «شهر رمضان أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار»، من تقرّب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه, ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه. هذا رمضان العظيم شهر الفقير والغني، شهر الإنسان والإحسان والقرآن، أتوجه فيه إلى كل الأهل والأصدقاء والأحبة وكل اللبنانيين سائلاً المولى عز وجل بهذا التوجه إلى الله أن يحفظ هذا البلد، ويحفظ الأهل والأصحاب والمسلمين. نحن في هذا الشهر لا نتمنى إنما نطلب، ونرجو أن يُساعد الغني الفقير، وأن يمد له يد العون والمساعدة، هذا شهر كريم، فلا بد أن تكون كريماً، إذا كان الله كريماً معك في رمضان، فلا بد أن تكون كريماً مع إخوتك وأحبتك وأهلك في رمضان.

عندما سُئل أحد الصحابة عن كثرة إنفاقه، قال: «عوّدني الله عاده، وعوّدت عباده عادة، عوّدني الله أن يُعطيني وعوّدت عباده أن أعطيهم، وإنني أخاف إن لم أعطِ عباده لا يعطيني الله»، هذا رمضان.

الحقيقة كان لدينا وفي ذهننا ومع إخوتنا في المؤسسات التي تهتم في مثل هذا الموضوع أكثر من برنامج، لكن انشغلنا في هذا الموضوع، الذي أخذ الوقت والجهد والمال، هذا الموضوع كبير، كان يوجد دم في صيدا. هذا الدم أثقل عند الله من أي شيء، وأكرم عند الله من حرمة الكعبة.

منذ أيام قدّمنا مذكرة مطالب إلى رئيس الجمهورية، كنت أنا والرئيس فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري ورئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي ورئيس بلدية عبرا وليد مشنتف، قدّمنا هذه المذكرة إلى رئيس الجمهورية، وتفهّم الموقف وقدّمنا المذكرة أيضاً إلى الرئيس نجيب ميقاتي، وعقدنا اجتماعاً مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، ومدير المخابرات العميد إدمون فاضل، والمدعي العام التمييزي بالتكليف سمير حمود، وأعتقد أن هذه المذكرة فيها كل المطالب الصيداوية، ودار الإفتاء في صيدا مهمتها متابعة هذه القضايا.

نرفض أن تكون المساجد مراكز للسلاح

{ ما هي الآلية حتى تكون المساجد تحت سلطة الأوقاف الإسلامية؟

– لا تستطيع أن تحكم الفكر. وخلال الحرب اللبنانية نشأت مساجد من خلال الوقفية، وهذه مسؤول عنها المحاكم الشرعية، التي سنت هذه السنة، وشرعت هذا الموضوع، وفتحت المجال للجمعيات والهيئات أن تتملك منبراً دينياً أسبوعياً. المساجد هي بيوت الله، وتقال فيها كلمة الله، وكلمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم). هذه المساجد لا لون لها ولا يجوز أن يكون لون لها، هذه المساجد لونها القرآن والسنة، وهي ليست لحزب أو جهة أوعائلة، عندما تبني مسجداً فلا يعد ملكاً لك، ويُصبح وقفاً، ولا تستطيع أن تمنع أحداً أن يدخله سواء أحببت هذا الأحد أو كرهته، المساجد فيها من يقوم بالمهام الدينية من إمامة وخطابة. هذه المساجد للراكعين والساجدين، وأنا أرفض بشكل تام وواضح أن تكون ثكنات ومراكز للسلاح. هذه المساجد مراكز دينية، تربوية، ثقافية، تُساعد، تُوحّد، تجمع، تُصلح، تُصالح، وليس دورها العداء أو الحقد أو الكره لأحد، وتقوم بواجباتها الدينية من خلال الناس.

{ … وبشأن تعيين الخطباء؟

– نحن نعيّن الخطباء، وبعض المساجد لا تتبع للأوقاف، وأكثر من ثلث المساجد في صيدا، هي وقف خاص، وعليها متولّي، وتقوم هذه الجمعيات بموجب حجج صادرة عن المحاكم الشرعية. كان هناك خلاف مع المؤسسة الدينية الأم، وما حصل في المؤسسة الدينية انعكس علينا جميعاً.
 

السابق
كيري: المعارضة السورية تتلقى دعماً عسكرياً كبيراً
التالي
فضل شاكر يظهر في “التعمير”