التحرّش الجنسي في “الفانات” ظاهرة مسكوت عنها

سهام.. سيدة في منتصف العقد السادس من العمر، ركبت الفان على الطريق من حيّ السلم الى بئر العبد. جلس بقربها رجل في الاربعينيات من العمر.. اتكأ على كتفها وراح يغطّ بالنوم، دفعته بكتفه فاعتذر منها، وبعد دقائق قليلة عاود استلقائه فصرخت بوجهه:"شو فاتحة تكيّة؟". عندها تدخل السائق وطلب من المتحرش تغيير مقعده.
هذه القصة ليست حادثا، بل ظاهرة تحدُث مع العديد من النساء خلال تنقلاتهن من والى منازلهن، وهن يروينها على هامش لقاءات في صالون تجميل، أو في خلال مناسبة اجتماعية، او في العمل بين الزميلات.
جمعتُ بعضا منها حيث تحدثت كل من نهاد وسلام وفرح وسهام عن حوادث تحرّش تراوحت بين الملامسة والاستلقاء، والكمش، والقرص، والاتكاء، وخلافه..

كانت سلام في طريقها الى ثانوية أخيها في الدوحة، اذ ان راكبا عربي الجنسية مدّ يده من المقعد الخلفي حيث يجلس ليكمش خاصرتيها بيديه. صرخت صرخة قوية ملتفتة الى الخلف لترى وبسرعة البرق ضربات تنهال على المتحرش من اخيها. نزف المتحرش نزفا شديدا. وانسحب من الفان هاربا.

اما نهاد فكانت تنتقل بين بيروت والنبطية يوميا بسبب موقع جامعتها، وفي احدى المرات جلس بجانبها عسكري في الجيش اللبناني، الذي بدأ تحرّشه بالاستلقاء على كتفها، وبعد ان نهرته ارتدع قليلا، لكنه عاود مدّ يده الى فخذها ولما نهرته بقوة قال انه يتلمس تنورتها فقط ونوعية القماش. فما كان منها الا ان أوقفت السائق ونزلت في منتصف الطريق، لتعاود طريقها الى بلدتها البعيدة على أمل عدم تكرار تجربتها.
وفرح التي تفاجأت بيد الراكب الذي يجلس خلفها يمد يديه ويمررها على جانبي ظهرها من الخلف. التفت الى الوراء سائلة اياه باستهزاء عما يفعل؟ وهل هو سعيد بفعلته هذه؟. تبّسم بوقاحة واستمر في ملامستها. خافت منه، فطلبت من السائق التوقف، ونزلت واكملت طريقها سيرا على الاقدام.

غياب الشكوى
قصص كثيرة ومتنوعة تتناقلها النسوة فيما بينهن. إلا أن قلة منهن تلجأ لتقديم شكوى الى مخافرالأمن العام، استلشاقا بالموضوع.
سلام نهرت الرجل السبعيني وأهانته حين حاول لمسها ولكنها خافت من التوجه، حسب قولها، الى المخفر القريب لأن الدركي الموجود هناك لن يصدقها فهي لا تعرف اسم هذا الرجل، ولم تحفظ شكله مما سيجعلها عُرضة للاستهزاء.

مصدر أمني
وبهذا الخصوص اكد مصدر أمني في أحد مخافر الضاحية الجنوبية ان حالات التشكي قليلة جدا، بل نادرة. وتبلغ نسبة الشكاوى المقدمة بهذا الاطار 1/365 في العام.

الرجل اللبناني يعتبر ان الاجنبية متساهلة
في لقاء مع غيدا عناني رئيسة جمعية (أبعاد) المختصة بمحاربة العنف ضد النساء، قالت ردا على سؤال:" التحرش الجنسيّ نوع من انواع العنف ضد النساء، لأنهن نساء، وهو قائم على النوع الاجتماعي لكون المتحرّش بها امرأة وليست ذكرا ولكون مجتمعنا له قيم ومفاهيم محافظة في موضوع الشرف".
وتضيف "لقد زاد التحرش في وسائل النقل، وهي ظاهرة ليست بجديدة. وقد سُميّت كذلك لانها زادت في الفترة الأخيرة حيث بلغت نسبتها حجما كبيرا ضمن الظاهرة العامة، والعديد من النسوة المتحرّش بهن يتشكين لدى المخافر وخاصة الاجنبيات منهن. علما ان الرجل اللبناني يعتبر ان الاجنبية المتحرش بها متساهلة، الا انه لا يُدرك ان الاجنبية أيضا اكثر جرأة على التشكيّ من اللبنانية".
وتابعت:" تتقدم المتحرّش بها غالبا شكوى في مخفر الآداب، وتتفاوت نسبة المتابعة بحسب الشخص نفسه، الا انه من المعروف ان المرأة لا تتابع الشكوى لانها تيأس من الوصول الى نتيجة، فالعديد من الشكاوى لا تُستكمل، والقلة منهن فقط لا يتوقفن عن المتابعة".
وتضيف عناني: "بعض الجمعيات تقدم خدمة مساعدة المتحرش بها كـ(نسويّة) و(كفى) حيث توّكل الجمعية محام يساعد المتحرش بها".
وبرأيها " ثمة معيقات مالية، وأخرى توعوية رغم عدم الايمان بالوصول الى نتيجة في بلد كلبنان".
وعن عقوبة المتحرّش؟ تقول عناني: "حسب نوع التحرّش، هناك انواع من التحرّش: منها: خدش الحياء العام، الاغتصاب، فضّ البكارة، اللمس، محاولة اغتصاب.

أنواع العقاب
يرى المحامي عامر بدرالدين: "ان انواع العقاب تختلف بحسب نوع التحرّش، فاذا كانت المتحرّش بها قاصرا تعتبرهذه الفعلة جناية، وعقوبتها مشددة قد تصل الى السجن".
"اما اذا كانت المتحرّش بها غير قاصر فيُعتبر الفعل جنحة، ويتم التعويض ماديا على المتحرّش بها. وهناك عقوبة مخففة عبارة عن التوقيف لمن لمس امرأة في (الفان) او السيارة".
وعن المطلوب من المرأة المتحرّش بها لتقديمه الى المخفر كإثبات على عملية التحرش، يقول المحامي بدر الدين: "المطلوب تقرير الطبيب الشرعي في حالة الاغتصاب او الاعتداء".
"وتكون الشكوى شفهيّة في حال كان المتحرّش شخصا غير معروف أي مجهول الهوية".

حراك
وهل ثمة تحرك ميداني كإنشاء لوبي برلماني لمحاربة هذا النوع من العنف؟ ترى عناني انه: "لا، لكن هناك حراك من قبل بعض الجمعيات ضد التحرش بشكل عام".
وهل سيصل الحال في لبنان كما حصل في مصر منذ فترة قريبة؟ تؤكد عناني: "لا اعتقد. أنا متفائلة لأن البيئة اللبنانية منفتحة. اما في مصر فصورة المرأة تتمظّهر كنوع من التشيّىء لها حيث يتم التعاطي معها كأداة للمتعة بسبب بعض الفتاوى الدينية، وبسبب الاوضاع الاجتماعية المتدهورة، وارتفاع نسبة العنوسة".
مع الاشارة الى ان موقع (الشبكة العربية) ذكر في احدى دراساته ان نسبة 99% من نساء مصر تعرّضن للتحرش الجنسي خلال الاحتجاجات الاخيرة.
ونختم بقول غيدا عناني: " الاجنبية اكثر جرأة على التشكيّ من اللبنانية".
  
 

السابق
غاغا تخرج بحمالة صدرها
التالي
حمدان: المفتي حسون أصبح مفتياً لكل أمتنا العربية