ثورة في الثورة

  1 – ثورة في الثورة:

 عندما يحضر الأصيل يبطل الوكيل … حضر الشعب، إنتهى مرسي. بعيدا عن مدى الاتفاق او الاختلاف مع الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي وحزبه الاخواني الحاكم او مع المعارضة بتلاوينها المختلفة علينا الاقرار بان نزول الملايين من المصريين الى الشوارع للمطالبة برحيل الرئيس هو بمثابة إنعقاد جمعية عمومية للشعب المصري، اي ممارسة الديمقراطية المباشرة، وبالتالي، وبغض النظر عن المسارات الملموسة التي ستسلكها الاحداث، فان الشرعية الفعلية، اي المستمدة من الشعب، قد سقطت عن مرسي.

هذا الطريق، بأشكاله وأساليبه وأدواته وأهدافه وشعاراته، ومجددا بعيدا عن مدى الاتفاق او الاختلاف معه، هو مسلك ثوري ويمثٌل عمليا موجة نوعية جديدة في مسار الثورة المصرية يمكن توصيفه بثورة في الثورة.

 2 – فشل الطبقة السياسية التقليدية السائدة:

الانسداد السياسي القاتل وما رافقه، ويرافقه، من تدهور مريع في الاوضاع العامة، الدولتية والحكومية والامنية والاقتصادية والقضائية والثقافية والاجتماعية وغيرها، هو المحرٌك الرئيسي لملايين المصريين في نزولهم الى الشارع لكسر هذا الانسداد وفتح آفاق للتقدم الى الامام في مسار الثورة وإنجاز عملية التحول الديمقراطي.

هذا الانسداد تتحمل مسؤوليته الطبقة السياسية التقليدية السائدة وعقليتها الفئوية والاقصائية وبجناحيها، الاخوان الحاكم مع حلفائه الاسلاميين والمعارضة العلمانية بتياراتها الليبرالية واليسارية والقومية، وذلك في ظل الضعف المؤسساتي والتنظيمي والجماهيري للطبقة السياسة الناشئة والممثٌلة بشباب الثورة والجيل الجديد من كافة التيارات الفكرية السياسية الرئيسية … ليس صدفة غياب الوجوه التقليدية لزعماء المعارضة عن واجهة حركة "تمرٌد"، وتحديد ثلاثة أسماء شبابية مغمورة – اليوم –  لتمثيل الانتفاضة في التفاهم على خارطة الطريق المطلوبة لتحقيق التغيير المنشود، علما ان جبهة الانقاذ تحاول الدخول على الخط عبر تحديد د البرادعي مفاوضا عن المعارضة.

طبعا، الكلام عن مسؤولية كل الطبقة السياسية التقليدية في الفشل بقيادة المرحلة الانتقالية من الاستبداد الى الديمقراطية لا يُلغي أهمية التفاوت الجدٌي بين المكونات المختلفة لهذه الطبقة. هنا، يتحمٌل الاخوان، وبحكم نفوذهم الاكبر كقوة سياسية منفردة وموقعهم الحاكم، المسؤولية الرئيسية عن الانسداد السياسي والفشل في قيادة المرحلة الانتقالية، ولهذا السبب نرى التمرٌد موجه اساسا لهذه الجماعة وللرئيس الذي ينتمي إليها، فإزاحتهما عن التفرٌد بالسلطة، برأي الملايين، هو الشرط الشارط حاليا من اجل تجاوز هذا الانسداد وفتح الافق للتحرك الى الامام.

3 – في الاسلام السياسي:

بداية، وبعيداعن مدى الاتفاق او الاختلاف مع هذا التيار ومكوناته، علينا الاعتراف بان الاسلام السياسي هو قوة جماهيرية فاعلة وأصيلة في صفوف الشعب المصري وشعوبنا العربية وبأن إنحيازه من حيث المبدأ لربيعنا العربي وثوراته الديمقراطية، وبغض النظر عن الافكار والسياسات والمواقف والافعال الملتبسة، هو إنجاز تاريخي كبير لعملية التغيير التقدمية في مجتمعاتنا.

طبعا، وكما بيٌنت التجربة الحاصلة في مصر وتونس وغيرها من بلدان ربيعنا العربي وبما في ذلك الثورة السورية، فان هناك فارق هائل بين الموقف المبدأي المنحاز للتغيير والقدرة على التجسيد الصحيح والناجح والفاعل لهذا الخيار في الممارسة العملية وذلك في ظل الطابع المعقٌد للثورات والمرحلة الانتقالية من جهة، وإرث الماضي الفكري والسياسي والنفسي من جهة ثانية، ومُغريات السلطة والتحكٌم والتفرٌد من جهة ثالثة.

في هذا السياق تحديدا أعتقد بأن ما يحصل في مصر اليوم هو الدرس التاريخي الاكبر للاسلام السياسي العربي وفي مقدمته جماعة الاخوان للتعلٌم وإستخلاص العٌبر المهمة من أجل الانسجام مع الموقف
.المبدأي في الانحياز لصالح التغيير والتحوٌل الديمقراطي في دولنا ومجتمعاتنا

.4

– في المرحلة الانتقالية من الاستبداد الى الديمقراطية:

أعتقد بان الملاحظة الرئيسية في هذا المجال تتمثٌل بكون التحوٌل الديمقراطي أقرب بجوهره الى البعد الثقافي منه الى البعد التقني، اي الانتخابي وإقرار الوثائق الرسمية، وفي طليعتها الدستور، التي تشرٌع الديمقراطية.المعنى هنا اننا في مسار المرحلة الانتقالية لسنا ديمقراطية راسخة بعادات وتقاليد ووعي وأفعال تستمد وجودها من أساسها المادي، اي دولة المواطنين الافراد الاحرار المتساوين، وإنما نحن في بداية طريق طويل للوصول الى هذه الدولة، وبالتالي، الى تحقيق الديمقراطية الفعلية والراسخة.

على هذا الاساس، وبعيدا عن العقلية الضيٌقة التي حكمت خطاب مرسي اليوم في تقديم مرافعة دفاع تستند الى الفهم التقني للديمقراطية والشرعية، تبرز ضرورة التفاهم، الربيعي الثوري، وبالضد من التفرٌد الذي مارسه الاخوان، على قواعد تؤسس لاجماع وطني في التعاطي مع العملية المركٌبة طويلة الامد للتحوٌل الديقراطي وإستحقاقاته.

  5 – التجاوز التاريخي للحظة الاسلامية في ربيعنا العربي:

كتبت في تشرين الثاني 2011 ثلاث مقالات مترابطة حول اللحظة الاسلامية في ربيعنا العربي – يمكن العودة إليها على صفحتي الفايسبوكية – أشرت من خلالها بان اللحظة الاولى لربيعنا العربي وثوراته الديمقراطية ستكون، وبحكم جُملة من العوامل الموضوعية والذاتية، لحظة إسلامية … بمعنى اننا امام ربيع للحرية والكرامة والثورات الديمقراطية بآفاق لبناء الدولة المدنية الحديثة، اي دولة المواطنين الافراد الاحرار، ولكن بقيادة إسلامية، وإخوانية تحديدا، في المحطة الاولى، وتابعت مؤكدا بأن هذه اللحظة الاسلامية ستتبعها لاحقا لحظات ومحطات أُخرى تتسم بطبيعة مُختلفة وها نحن وصلنا حاليا الى هذا الاستحقاق.

اولا، يجب الاعتراف، وكما أشار صديق فايسبوكي عزيز، بانه لم يكن يتوقع أحد ان تسير الاحداث وإستنزاف اللحظة الاسلامية بهذه السرعة القياسية، حيث تتقدم ثوراتنا في سنة ما إحتاجته ثورات أُخرى الى سنوات طويلة إن لم نقل عقود … فعلا، ثوراتنا هي نتاج الزمن الرقمي للحضارة الضوئية.

بكل الاحوال، لقد إستطاع الشعب المصري، وستسير معه شعوبنا العربية الاخرى، في تفكيك العلاقة الملتبسة بين الدين والسياسة، بين التديٌن الروحي الانساني العظيم للمؤمنين وبين الحركات السياسية الدنيوية التي تستظل وهما او زورا وبهتانا بالدين والمقدٌس للدفاع عن مصالحها ومواقعها.لقد آن الآوان لنحرٌر الدين من السياسة ونحرٌر السياسة من "الاوصياء" على الدين … الدين لله والوطن للجميع.

 

السابق
الجمهوريه: معلومات عن مقتل فضل شاكر والأسير
التالي
يرتدي النقاب ليؤدي الامتحان عن خطيبته