أشواق للحرب الباردة

الاحاديث عن جنود روس يأتون بدلا من النمساويين في قوة الامم المتحدة في هضبة الجولان، هي في هذه الاثناء مجرد أحاديث. هذا لم يحصل عمليا، لان الامر يتعارض وكل أنظمة الانتداب للقوة، ولكن في هذا الشأن حتى الاحاديث المجردة هي مدعاة للقلق.
تبدي الولايات المتحدة بقيادة اوباما مظاهر التعب والارتباك في ضوء التحولات والاضطرابات في الشرق الاوسط، وروسيا تزحف بالتدريج الى الفراغ الذي يخلقه الارتباك الامريكي، فمع أو بدون جنود روس على حدود اسرائيل في الجولان، الانطباع هو أن روسيا مشاركة منذ الان حتى الرقبة في نزاع محلي عربي داخلي ليس واضحا تماما ما لها وله. ويشرح المحللون ان الحلف مع دمشق يحفظ مصالح روسيا من النفط والغاز في شواطئ شرق البحر المتوسط. ولكن هذا ليس سببا كافيا لتدخل نشيط بهذا القدر في صالح طرف ما في الحرب الاهلية السورية. من ناحية المصالح الحقيقية من الافضل للروس أن يجلسوا على الجدار وان ينتظروا الى أن ينتصر احد الطرفين، وعندها التوجه اليه لعقد الصفقات معه.
فضلا عن ذلك، في نظرة أضيق قليلا، روسيا تأخذ جانبا في الصدام الاسلامي الداخلي الذي تجد نفسها فيه كتفا بكتف بالذات مع الطيف الشيعي الذي بين ايران وحزب الله. فماذا لروسيا وآيات الله؟ الانطباع هو أن بوتين يشتاق الى ايام الحرب الباردة ويفعل كل شيء كي يعيد من جديد اقامة العالم ثنائي القطب، الذي تتحكم به قوتان عظميان، الولايات المتحدة من جهة وروسيا من الجهة الاخرى.
وحسب علاقات القوى القائمة في هذه اللحظة، فان هذا طموح سخيف ظاهرا، فلا يمكن بأي مقياس مقارنة قوة ونفوذ روسيا البوتينية بقوة ونفوذ الاتحاد السوفييتي في القرن الماضي، وبالتأكيد روسيا اليوم ليست باي حال قوة عظمى بحجم الولايات المتحدة. ولكن روسيا كفيلة بان تعود لتكون قوة عالمية اذا ما ركبت على ظهر النمر وربطت بمركبتها قوة الاسلام المستيقظ.
اسرائيل الصغيرة لا يمكنها أن تفعل الكثير في ضوء خطر تشكل قوة عظمى اسلامية ـ روسية على حدودها. وهي لا يمكنها حتى أن تصرخ وتحذر، إذ أن الغرب والولايات المتحدة على رأسه غير مستعد لسماع الصراخ. ولكن على اسرائيل على الاقل أن تكون واعية بانها تقف وحدها حيال محيط متغير بسرعة، وتفعل ما بوسعها طالما كانت موازين القوى في الحي المتصلب الذي تعيش فيه لم يتغير بعد في طالحها.

السابق
اوباما الحقيقي بدأ ينكشف
التالي
هذه أعمار النجوم الحقيقيّة