الحل الشيعي للمسألة العلوية

نظام الملالي في ايران ليس غبياً: هو يعلم أن تجدّد الثورة الخضراء في الداخل الايراني ينتظره، اذا ما سقط نظام بشار الاسد، بل ما إن يسقط هذا النظام. لأجل ذلك، يستميت نظام الملالي في عمليات الاطالة "غير الرحيمة" لعمر الحليف البعثيّ. مرة لا تعجبهم الثورة السورية لانها اسلامية، كما لو ان ثورتهم الايرانية، بلشفية، ومرة يتهمونها بالعلمانية، كما في الموقف الاخير لعلي خامنئي، في وقت يبحث فيه بشار الأسد عن آخر تسويغ لفضيحة بقاء نظامه الى الحين، باسم العلمانية والتقدم.
"حزب الله" بدوره ليس غبياً. هو يعلم ان سقوط نظام بشّار الأسد سيعني انقطاع الامداد، وانقلاباً شاملاً في المشهد الاقليمي ومن ضمنه اللبناني، وبداية تحلّل لجهازه الحزبي، مع تسلّل الأهواء اليه.
نور الدين المالكي كذلك الأمر ليس غبياً. هو يعلم ان سقوط نظام بشّار الأسد سيفتح على أوسع نطاق مشكلة الاحتكار الفئوي للسلطة الذي يمثّله، وسيعيد خلط الأمور في العراق.
ايران و"حزب الله" والمالكي ليسوا أغبياء من هذه الناحية: سقوط نظام بشّار الأسد ليس أبداً في مصلحتهم. مصلحتهم في اطالة أمده قدر المستطاع.
اذاً، لا يمكن لهذا الثلاثي أن يأخذ على محمل الجد الحجج البلاغية والسجالية التي يسوقها أخصامه في سوريا والمنطقة، من نوع انه ليس من مصلحة ايران، أو "حزب الله" أو المالكي، الانخراط في دعم نظام الأسد. هم يدركون قبل سواهم "سلبيات" هذا الدعم، لكنهم يعتبرونه دعماً ضرورياً، لأن بشّار الأسد ان سقطَ سقطوا تباعاً معه، وهم ان لم يدافعوا عنه بشراسة لغامروا بأن يسقطوا قبله.
بهذا المعنى، من المفهوم تماماً ان يناشد العقلاء "حزب الله" لتغيير سياسته التدخلية الى جانب النظام الدموي الفئوي في سوريا، الا انّ هكذا مناشدة تدخل اما في خانة الموقع الانسانوي أو في خانة الاحراج السياسي، والاخلاقي، والايديولوجي، للحزب. أما اذا تجاوزنا الاحراج، فلا ينبغي التعامي على أصل المشكلة: الحزب يدرك تماماً انه ساقط حكماً اذا ما سقط النظام السوري، وانه يمكنه ان يسقط قبله اذا لم ينهض بنفسه، وبكل قوة لمحاولة الدفاع عن هذا النظام.
الى هنا، يمكن القول انه من الناحية المنطقية، ثمة نقطة تغيب عن اخصام "حزب الله" في حين يستوعبها الحزب بشكل جيد. هم يقولون له لا مصلحة لديك في الدفاع عن نظام ساقط. وهو يدرك انه بدوره ساقط اذا ما أطيح بالنظام في سوريا.
لكن المشكلة ان مشاركة الحزب في القتال الى جانب النظام لا تعتمد على "صمود" الحزب كما في حرب تموز، بل على "صمود" النظام نفسه. طبعاً الحزب يحاول ان يقنع نفسه انه عامل مساعد على تمكين هذا النظام من الصمود. هنا بالذات يقع الرهان.
لكن الرهان هنا هو الفتنة بعينها: كي يصمد النظام السوري عليه، وفقاً للقراءة الثلاثية، لايران وحليفها في العراق وتابعها في لبنان، أن يشهر هويته "المذهبية المعدّلة"، اي المعاد انتاجها بشكل منسجم مع الهوية المذهبية لحلفائه في الاقليم. في المقاربة الايرانية، لا يمكن السماح بقيام نظام يمثّل النسيج الاكثري من المجتمع السوري، لكن ما عاد ممكناً بقاؤه كنظام اقلية معزولة في نسيجها الاثني والديني الخاص. ينبغي ان يتحول الى نظام يشبه مذهبياً نظام الملالي في ايران، وحلفاء ايران في العراق، والحزب التابع لايران في لبنان.
"حزب الله" بهذا المعنى يخوض معركتين في سوريا، لا واحدة. من جهة، معركة الدفاع عن النظام الأقلوي، ذي الصبغة "العلوية"، ومن جهة ثانية، معركة "تشييع" العلويين. من جهة، يريد ان يقف حجر عثرة في وجه الاكثرية السنية الثائرة من المجتمع السوري، ومن جهة، هو يعمل على حل "شيعي" للمسألة العلوية، حل يقوم على الغاء الوجود المستقل بذاته تراثياً ووجدانياً لهذه الطائفة، وادماجها في البوتقة الشيعية المعاد انتاجها وفقاً لشروط ومقتضيات ايديولوجية الثورة الخمينية وولاية الفقيه.

السابق
الصديق الروسي… ماذا يريد؟
التالي
إنهم يتآمرون على حزب الله