من يريد قتل الحريري ولماذا؟

ربما، لم يتنبّه اللبنانيون أمس الأول إلى خبرٍ مرّ مرور الكرام على الشاشات الصغيرة، ومفاده أنّ الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري أعلن أنه «لن يعود إلى لبنان في المرحلة الحالية لأن هناك من يريد قتله».

بقيَ الخبر من دون صدور أي نفي، ما يعني أنه مؤكد وأنّ الحريري صرّح بهذا الأمر. والسؤال البديهي الذي يبرز إلى الأذهان هو: من يريد قتل الحريري ولماذا؟

في الوقائع، يعلم اللبنانيون عموماً وجمهور الحريري خصوصاً أن الرجل تعرّض لعملية اغتيال سياسي قبل نحو سنتين وبضعة أشهر، عندما أُخرج من رئاسة الحكومة بالطريقة الشهيرة التي حصلت فيها إقالة حكومته يومذاك، في الوقت الذي كان يقابل فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض عبر استقالة وزراء "8 آذار" والوزير الحادي عشر الذي كان محسوباً عددياً على رئيس الجمهورية.

وعملية الاغتيال السياسي تلك أدت بعد فترة وجيزة إلى سفر الحريري إلى باريس ثم إلى المملكة العربية السعودية واستقراره مع عائلته هناك. ولا داعي للتذكير هنا بالفرحة التي عمّت قوى "8 آذار" في حينها وبالتصريح الشهير لرئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون وقوله: "إننا قطعنا وان واي تيكيت للحريري"، والمقصود طبعاً "روحة بلا رجعة"!

ماذا الآن في القراءة السياسية لتصريح الحريري؟ المعطيات السياسية والأمنية تبرز الآتي:

أولاً: المعلوم أن الحريري تلقى قبيل مغادرته لبنان العديد من التحذيرات الأمنية التي نقلها إليه اللواء الشهيد وسام الحسن وفقاً للمعلومات التي كانت بحوزته، ومفادها أنه في خطر شديد وجدّي ما يستوجب بقاءه في مكان آمن لفترة ليست بقصيرة. الأمر الذي استدعى منه أخذ قرار المغادرة نظراً إلى أن بقاءه في البلد يتطلب منه كمرجعية سياسية التحرك والتنقل، ولو بالحدود الدنياـ ما سيُعرّضه ويُعرّض البلاد والعباد لأخطار عديدة اختار تجنبها.

ثانياً: يعلم القاصي والداني من اللبنانيين أن آلة القتل التي اغتالت والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من قادة "ثورة الأرز"، لن تتورّع عن القيام بالعمل نفسه تجاهه في اللحظة التي تراها مناسبة لإتمام ذلك للإعتبارات الآتية:

1 – لأنه يمثل الامتداد الطبيعي لوالده الشهيد سياسياً وشعبياً على أرض الواقع اللبناني.

2 – لأنه يمثل الامتداد نفسه أيضاً عربياً ودولياً لجهة علاقاته المميزة مع دول الخليج العربي، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية إضافة إلى علاقاته مع الدول الغربية وتحديداً مع واشنطن وباريس.

3 – الحريري مثّل ولا يزال كوالده الشهيد، خط الاعتدال السنّي في لبنان. والجهة التي اغتالت الرئيس رفيق الحريري إنما اغتالت هذا الخط وقرّرت التخلص منه، وهي من دون أدنى شك ستكرر فعلتها مع الحريري الابن في أي لحظة تراها مناسبة في حال عودته إلى لبنان، لأنها تريد التخلص من هذا الخط إن استطاعت طبعاً، لتعبيد الطريق أمام خط آخر هو خط الإسلام المتشدد. وهذا ما بدأنا نراه منذ فترة على أرض الواقع السياسي في لبنان بدءاً من صيدا، مروراً ببعض أحياء بيروت واستكمالاً في البقاع وصولاً إلى طرابلس وعكار.

هل يعني هذا الكلام أن الحريري لن يعود؟

المعلومات المستقاة من مقرّبين له تؤكد أنه سيعود في التوقيت المناسب. وهذا التوقيت على ما يبدو غير واضح، أقله في المرحلة الحالية خصوصاً في ظل الضبابية التي تسود الوضع السوري وترخي بظلالها على لبنان ودول الجوار العربي. علماً أن سقوط النظام السوري قد لا يأتي بالخير الذي يتوقعه البعض على لبنان بل سيجرّ معه ربما، الكثير من الويلات التي سيوردها إلينا قبيل سقوطه.

من هنا ستبقى الصورة مقلقة وغير جلية ليس فقط في ما خص عودة الحريري بل في ما هو مرتبط بلبنان برمّته في انتظار وضوح ما ستؤول إليه التطورات في المنطقة.

السابق
البابا فرنسيس الاول.. الحبر الاعظم الجديد
التالي
محاولة إغتيال الأسير