ربيع لبنان… متى?!

من المفارقات المضحكة والمحيرة والمثيرة للشفقة معا هو اختلاف زعماء لبنان على كل شيء حتى على لون السماء, بينما يكادون يتفقون على حب الزعامة وتوارثها, لهذا فإنه ومن واقع قراءاتي للوضع اللبناني الداخلي عموما ومحاولتي لربطه بتداعيات ثورات الربيع العربي عليه لم اجد اي صعوبة في فهم سبب غياب لبنان عن تلك الثورات, وقد أرجعت ذلك الى ثلاثة اسباب, أولها: يكمن في شعبه المتناحر طائفيا ومذهبيا, وثانيهما: يكمن في طبيعة نظامه الطائفي وبالتالي استعصائه على السقوط, واخرهما -وهو الاهم برأيي – هو تبوؤ بعض مجرمي الحرب الاهلية لدينا بثقافتهم الميليشوية والالغائية سدة الحكم من خلال قانون العفو العام عن حقبة ما قبل ابرام اتفاق الطائف عام .1990
ومن هنا فلن نجد من يشعل ثورتنا رغم حاجتنا الملحة للتغيير, وأقصد هنا تغيير بعض الزعماء ممن أهانوا كراماتنا, في ظل حال من البؤس يعبر عنه كل لبناني لا يهمه من هم الاقلية ومن هم الاكثرية, من هم الموالاة ومن هم المعارضة, من هم "8 آذار" ومن هم "14 آذار", بل كل ما يهمه ان يعيش بسلام وكرامة وحرية. وحيث ان الثورات العربية قد قررت ان تكون الحرية هي المطلب الاساسي لتظاهراتها السلمية التي رفعتها في بلد تلو الاخر, حتى بات شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" ملازماً لها في كل تحركاتها السلمية. الا ان ذلك لم يمنع من ان تربط بين مطالبها السياسية بالمطالبة بحقوقها الاجتماعية كالحق في التعليم, والسكن والرعاية الصحية والتحرر من الفقر والعيش بمستوى معيشي لائق, ولكننا وفي لبنان يمكن ان نرجع تراجع الخطاب المطالب بالقضايا الاجتماعية (فيما عدا تحركات نقابية خجولة بين الفينة والاخرى) الى مشكلة الطائفية, فالظلم الذي تفرضه الطائفية على المواطنين مشابه للظلم الذي يسببه التباين المعيشي بينهم, ولأن اللبناني يجبر في كلا الحالتين على العيش ضمن اطار طائفي ومذهبي ولد عليه ولم يختره بنفسه. لذا فقد أصبحت الحاجة الى الربط بين الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية مطلبين مشروعين في لبنان من اجل الوصول الى اقامة كيان سياسي اجتماعي واقتصادي يوفر فرصاً متساوية للجميع, بغض النظر عن الهوية الطائفية او الحزبية او المناطقية لهم.
وان بدا هذا مثالياً لكثير منا فيما لو ابتعدنا عما يسمى الخصوصية اللبنانية وتعقيدات البلد اللامتناهية, الا انني وكما قلت في بداية المقالة فالزعماء لدينا يختلفون حتى على لون السماء فيما يتفقون على حب الزعامة, وهذا ما نلاحظه بوضوح على ارض الواقع, فكل الانقسامات والخلافات سرعان ما تذوب بين هؤلاء الزعماء حين يكون لبنان على ابواب اجراء انتخابات او سن قانون انتخابي جديد, فنراهم جميعاً يلهثون الى اخراج اتفاق يضمن اقرار قوانين استنسابية ومفصلة على مقاساتهم تجمع بين تناقضاتهم لتصبح تحالفات من اجل وصول هؤلاء الزعماء الى الكراسي, ان من خلال اصوات قواعدهم الشعبية او على مستوى احزابهم وتياراتهم التي تكفل انظمتها الداخلية التجديد التلقائي لهم! وخير دليل على ذلك هو مشروع "القانون الارثوذكسي" الذي اقر أخيراً, فتحت شعار مسايرة مطالب الشارع المسيحي حصل أول اتصال منذ أمد بعيد بين عون وجعجع والجميل للتهنئة باقرار القانون!
وأتساءل مع بدء غوص الساحة السورية الملتهبة في وصول الطائفية والمذهبية وامتدادها جغرافيا الى الساحة اللبنانية الرخوة والساخنة دائما والتي تعيش أصلا عصر الطوائف والمذاهب, ويجيد الزعماء فيها اللعب على حبالها, وفي ظل مسرحية سياسة النأي بالنفس المتبعة, هل اصبح لبنان على ابواب الربيع العربي?!
  

السابق
ما الذي يجري بين واشنطن وموسكو؟
التالي
الدعاء القاصر