الدعاء القاصر

يدعو بعض المسلمين ومنهم الأئمة على المنابر بهذا الدعاء:

«اللهم اشفنا واشف مرضى المسلمين»، ورغم سمو الغاية من وراء هذا الدعاء وهي شفاء المرضى، فإني أرى أنه دعاء غير سليم وغير حقيقي ولا يعكس رغبة الداعي الحقيقية، وقبل كل ذلك هو دعاء غير «إسلامي» ولا أظن أن الإسلام يقره، وذلك لأوجه القصور فيه من حيث هو قائم على طلب الشفاء للمسلمين فقط دون غيرهم من بقية البشر.

وثمة حوادث تاريخية إسلامية كثيرة تناقض هذا الدعاء وتدحضه من حيث تحجيم المشمولين بالدعاء وقصرهم على المسلمين، فنعرف للنبي محمد صلى الله عليه وسلم حوادث إنسانية كثيرة مع غير المسلمين وبالذات من هم من أهل الكتاب تدلل جميعها على أنه لا يضمر لهم الشر ولو مرضوا فبالتأكيد سيدعو لهم بالشفاء وهو نبي الرحمة والإنسانية وهو «على خلق قويم» وأرفع درجات الخلق القويم العدل والمساواة، ثم إنه ما جاء «إلا ليتمم مكارم الأخلاق» وعلى رأس المكارم حب الناس ومساعدتهم وإخاؤهم.

ولن أمضي كثيرا في التشبيهات التاريخية الإسلامية التي تدحض صحة هذا الدعاء وتنقضه، بل سأنتقل إلى جزئية أن قائله لا يعنيه حين يخص بالشفاء مرضى المسلمين دون غيرهم وهو ما يتناقض مع الواقع، لأن المسلمين يتعاونون في الحياة مع غير المسلمين يستأجرونهم أو يستأجرون لهم، فماذا لو كان خادم غير مسلم ويعمل لدى مسلمين ومرض، هل يتركونه في مرضه أم يأخذونه للتشافي؟ وأليست محاولة شفائه من قبلهم دعاء عمليا له بالشفاء؟! وماذا لو أن مسلما يعمل أجيرا عند غير مسلم ويتحصل على رزقه ورزق عياله من مال هذا الإنسان غير المسلم ومرض رب العمل هذا، ألن يتمنى الأجير المسلم لسيده الشفاء حتى لا ينقطع رزقه ويجوع عياله؟! أو أن طبيبا غير مسلم يعالج مريضا مسلما وقبل اليوم الموعود لإجراء الجراحة الخطيرة التي تتوقف عليها حياة هذا المريض المسلم مرض الطبيب، ألن يدعو له المريض وأهله بالشفاء حتى ينقذ حياته؟!

وأظن أن هذا الدعاء ومثله كثير أدخل زورا على الإسلام وربما دون تبصر بفحواه ومراميه، وعلى مردديه الكف عن ترديده.  

السابق
ربيع لبنان… متى?!
التالي
المهنة.. لبناني!