إغتيال جنرال الإعمار: طريق إيران لم تعد آمنة

خطورة هذه العملية تكمن في المستهدف وحجم الخرق الامني
علي الأمين
البلد- الخميس 15 شباط 2013
بين اتهام "اسرائيل" و"المجموعات الارهابية" انقسمت الاتهامات الايرانية الرسمية حول مسؤولية اغتيال رئيس «الهيئة الإيرانية للمساهمة في إعمار لبنان» المهندس حسام خوش نويس اثناء عودته من دمشق باتجاه بيروت. وبحسب وكالة مهر الايرانية "تم تشييع العميد حسام خوش نويس (امس الخميس) في طهران، بحضور القائد العام للحرس الثوري وجمع من القادة العسكريين". والمهندس نويس كشف اغتياله عن هوية أخرى يحملها هي هويّة "العميد حسن شاطري" ما طرح لدى العديد من المراقبين المزيد من التساؤلات حول أسباب اغتياله والجهة التي تقف وراء هذا الاغتيال، الذي أدّى الى سقوط لبنانيين لم يكشف عن هويتهما كانا برفقته، كما تؤكد بعض المصادر القريبة من السفارة الايرانية في بيروت.
أتيح لكاتب هذه السطور اجراء حوارات صحافية مطولة مع الشهيد نويس مرات عدّة خلال انهماكه في ادارة عملية الاعمار التي تولت ايران مباشرة جزءا اساسيا منها في الجنوب والبقاع ومناطق اخرى تضررت خلال حرب تموز 2006. محور الحوارات كانت الاضاءة على مشروع الهيئة التي اوكلت التخطيط والمباشرة بالاعمار. هذه الحوارات، التي نشر الجزء الاكبر من مضمونها في العامين 2007 و2008 في مجلة "شؤون جنوبية"، كشفت لي عن شخصية متخصصة في مضمار ادارة عملية الاعمار، من خلال اطلاعه الدقيق على طبيعة المهمة الاعمارية التي يخطط لها وينفذها، ومن موقع الاعتداد بانتمائه الى تجربة الحرس الثوري التي قامت عبر مؤسسات اعمارية انشأتها في ايران، وقامت بمهمات كبرى على مستوى اعادة اعمار ايران بعد الحرب العراقية الايرانية.
والذين يعرفون دور الحرس الثوري، في ايران، يدركون ان قوة جهاز الحرس الثوري الامنية والعسكرية تكمن ايضا في امتلاكه وادارته مؤسسات استثمارية وتنموية كبرى في بلاده. وليس من المستهجن في هذا السياق ان تكون «الهيئة الإيرانية للمساهمة في إعمار لبنان» هي احدى مؤسسات الحرس الثوري، وأنّ المهندس نويس احد جنرالاته.لكن الارجح ان نويس الذي ينتمي الى هذه المؤسسة الثورية الرسمية في ايران كان متفرغا بالكامل خلال السنوات بين 2007 و2011 الى متابعة ملف الاعمار، وسبب ذلك غنى اطلاعه على تفاصيل المشاريع العمرانية، واسماء القرى والبلدات المتضررة والجسور والطرق الفرعية والرئيسة، ومباشرة المشكلات التي واجهت هذه المشاريع ميدانيا. حتى في الخصوصيات اللبنانية ضمن العلاقة مع المجتمع ومع الشركات المنفذة، فضلا عن الحساسيات السياسية من دون ان ينفي ذلك وجود الخبرة الامنية والعسكرية المتأتية من كونه ضابطا كبيرا في الحرس.
باختصار كان ينجز مهمته باتقان واخلاص شهد لهما الكثيرون من اللبنانيين، خصوصا تلك البلدات التي انجزت الهيئة فيها طرق ومنشآت في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية. النجاح الذي حققه نويس على رأس "الهيئة" في تجربته اللبنانية فتح الباب على استثمارها في اكثر من موقع. وسورية نموذج مرشح في المرحلة المقبلة لان يكون ساحة صراع على تقاسم حصص الاعمار فيه. بالتأكيد لم تتضح بعد معالم النظام المقبل في سورية لكن الدول القوية تحاول ان تتحضر لكل الاحتمالات، وايران، التي دفعت ثمناً سياسيا وشعبيا باهظا في سورية لدعمها نظام الاسد، تحاول في المقابل ان توسع الثغرة التي حققتها في جدار المعارضة، بمزيد من تثبيت معادلة ان ايران، الشريكة في الازمة، هي شريكة في الحل ايضا وان ايران التي دعمت نظام الاسد ليست في وارد ان تقف جانبا خلال إعمار سورية.
في أيّار العام 2007، وفي حوار منشور قال لي الراحل المهندس نويس، ردّا على سؤال: "لم نحدد مدة لخطة معينة لوجودنا في لبنان، ولكن طالما هناك أضرار ويتطلّب ذلك العمل فنحن مستعدون لذلك…". لذا بقيت "الهيئة الايرانية" مقيمة في لبنان وتجاوزت مشاريعها حدود مهمة ترميم اضرار الحرب، الى تنفيذ مشاريع محدودة، تبرر استمرارها. الانتقال الى سورية امر تم تداوله في بعض وسائل الاعلام وليس غريبا على السياسة الايرانية ان تولي خطط اعمار سورية اهتماما يترافق مع استبسالها في دعم نظام الاسد، والاغتيال الذي اودى بالمهندس نويس يمكن ان يكون رسالة استباقية لايران، ومحاولة لمنعها من النفاذ مجددا الى سورية عبر خطط اعمارية من دون استبعاد ان يكون الاغتيال رسالة اسرائيلية تظهر من خلالها ان الطريق لن تكون آمنة بعد اليوم بين دمشق وبيروت.
فقد اشارت معلومات الى ان عملية الاغتيال حصلت قرب الزبداني. هذه الطريق التي يعلم الكثيرون انها خط ايراني باتجاه سورية، وحزب الله ضمنا، وبالعكس ايضا. وهي لم تعد آمنة، في وقت ينقل مقربون من الحزب ان اسرائيل اصبحت موجودة على هذا الخط عبر مجموعات عسكرية سورية فيما تحدث البعض من المتابعين لهذه القضية عن خرق امني سبب هذا الاغتيال والغموض المحيط بمسرح العملية. وسواء صحّت هذه المعلومات او لم تصح إلا أنّها تعكس المخاوف لدى الحزب من ان يصبح هذا الخط غير آمن، ما سيفرض شكلا من اشكال الحماية يرجح ان تشهد مواجهات او تكراراً للغارة الاسرائيلية الأخيرة في جمرايا.

السابق
بدء احتفال الذكرى الثامنة لاستشهاد الرئيس الحريري ومن المقرر ان يوجّه الرئيس سعد الحريري كلمة متلفزة اضافة الى كلمتين لكل من بطرس حرب وفارس سعيد
التالي
رئيس الهيئة الإيرانية حسام نويس لجنوبية: تكليفنا مقدّس وهدفنا إلهي