نتنياهو والأسد: “غارة المصالح المتبادلة”؟

 – I –

العنوان الرئيس الذي هيمن على معظم التغطية الإعلامية للغارة الجوية الإسرائيلية المفاجئة على سوريا كان: "الدولة العبرية تدخل على خط الأزمة السورية".
 
اقنعة واقية من الغازات  للاسرائيليين قبل الغارة على سورية (الصورة من غوغل
لكن، وعلى رغم أن لإسرائيل بالطبع مصالح ضخمة، وأدوار ضخمة أيضاً من وراء الستار، في الأزمة السورية، إلا أنه يبدو في هذه المرحلة أن العنوان الرئيس هذا يجب أن يكون معكوسا: "إسرائيل تُدخِل الأزمة السورية على خط صراعاتها السياسية الداخلية".
كيف؟ لماذا؟
الأمر يعود إلى تطورين بارزين اخترقا المعادلات الداخلية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة:
الأول، خسارة الليكود ثلث مقاعده في الانتخابات الأخيرة، لصالح قوى جديدة ترفع لواء الهم الاجتماعي- الاقتصادي، وتُهمل الهموم الأمنية التي يتربع على عرشها بنيامين نتنياهو.
هذا التطور تجسّد في فوز حزب "يوجد مستقبل" بزعامة الإعلامي التلفزيوني يائير بليد بـ19 مقعداً في البرلمان ليصبح بذلك ثاني أكبر حزب في إسرائيل، مادفع المحلل الإسرائيلي جدعون ليفي إلى القول: "إن إنساناً غير سياسي على نحو سافر (إقرأ أيضا: على نحو غير أمني) هو الفائز الأكبر في أكثر انتخابات غير سياسية على نحو سافر عرفتها إسرائيل".
التطور الثاني، وهو مشتق من الأول، يتمثل في أن الكنيست الإسرائيلي الجديد لن يتيح حرية حركة لأي حكومة جديدة مهما كان شكلها، إذا ما اقتصر على محاولة إرضاء كل الاتجاهات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية المتضاربة. هذا فضلاً عن أن أي أزمة صغرت أو كبرت قد تطيح بهذه الحكومة وتدفع إلى إجراء انتخابات مبكرة.
– II –
 
هذه المعطيات الجديدة وضعت مستقبل نتنياهو السياسي، ومعه برامجه الأمنية- الاستراتيجية (أولوية مجابهة الخطر النووي الإيراني وصواريخ حزب الله في لبنان)، في مهب الريح، ماحفز بعض المحللين، حتى قبل الغارة الإسرائيلية الأخيرة على سورية، إلى طرح احتمال لجوء نتنياهو إلى إثارة اضطرابات أمنية ما، تمكّنه من إعادة الامساك بالوضع الداخلي.
السيناريو الذي رسمه المحللون لتحقيق هذا الهدف يستتند إلى معادلة "أقل من حرب عامة، وأكثر من توتير". أي: دفع الأمور إلى حافة الهاوية من دون السقوط فيها، لأنه ليس من مصلحة إسرائيل ولا إيران (المتجهة إلى حوار مباشر قريباً على الأرجح مع أميركا) ولاحزب الله اللبناني، تفجير حرب إقليمية عامة في هذه المرحلة.
 التحضير لمثل هذا السيناريو بدأ بالفعل قبل أسابيع من الغارة. فوزير الدفاع الإسرائيلي قلّص قبل أسبوعين فجأة زيارة خارجية له وعاد إلى تل أبيب. وتلا ذلك مباشرة بدء نقل بطاريات الصواريخ المضادة للصواريخ (القبة الحديدية) من جبهة غزة إلى الجبهة الشمالية في حيفا. وترافق ذلك مع تصريحات نارية لنتيناهو شدد فيها على أنه "سيتصدى بقوة لأي محاولة سورية لنقل أسلحة متطورة إلى حزب الله"، وأن خياراته في سورية هي الآن بين "سيء، وأكثر سوءاً، وأسوأ".
هذه التطورات الإسرائيلية المتلاحقة، مضافاً إليها اعتراف باراك أمس بمسؤولية تل أبيب عن الغارة وتهديد إيران وسورية وحزب الله بـ"ضربات موجعة" جديدة، تعطي معنى مغايراً لطبيعة الغارة الإسرائيلية وأبعادها. إذ لا يعود مهماً هنا أن تكون الطائرات الإسرائيلية قد قصفت قافلة عسكرية سورية تحمل صواريخ سام-17 المضادة للطائرات، أو مركز أبحاث عسكري، بل يصبح الأهم هو الطريقة التي يريد فيها نتيناهو وضع هذا "السيء والأسوأ" في خدمة أزماته الداخلية الجديدة.
بالطبع، هذا لايلغي الحقيقة بأن الدولة العبرية ستقاتل بالفعل إذا ما تخطى النظام السوري الخطوط الحمر المرسومة له في واشنطن وتل أبيب حول نقل (أو استخدام) الأسلحة الكيمائية والتقليدية المتطورة بما يخل بالتوزانات العسكرية الراهنة في لبنان والمنطقة، بيد أن هذا لايلغي أيضاً الحقيقة الأخرى بأن نتنياهو في أزمة داخلية قاسية قد يجد مخرجها في حلول خارجية.
وإذا ماصح هذا التوقع، فستكون الغارة الإسرائيلية بداية، وليس نهاية، لسلسلة من العمليات سواء العسكرية العلنية منها أو الاستخبارية السرية.
– III –
 
أين النظام السوري من هذه الأحداث المتلاحقة؟
الرئيس السوري بشار الأسد بدا منقطعاً بالفعل عن الواقع، حين اتهم إسرائيل بـ"زعزعة استقرار سورية"، وكأن لاشيء حدث أم يحدث من انهيارات للدولة وللكيان السوري نفسه منذ سنتين. هذا في حين كان السفير السوري في بيروت يتحدث عن "رد سوري مفاجىء، وكأن المفاجأة يجب التحدث عنها يجب أن يأتي قبل حدوثها "فجأة".
بيد أن الواقع أن الغارة الإسرائيلية كانت بمثابة "هبة من السماء" لهذا النظام، خاصة وأنها جاءت من طرف (الليكود) لايزال يلعب دوراً كبيراً في لجم الإدارة الأميركية، عبر نفوذه في الكونغرس، من اتخاذ قرار نهائي باسقاط نظام الأسد.
فقد كان في مقدور النظام العودة بعد الغارة إلى العزف على وتر الممانعة والمقاومة، فيما قوى المعارضة الإسلامية التي تقاتله تجد نفسها فجأة محرجة وفي زورق واحد مع إسرائيل.
وهكذا، تقاطعت مصالح نتنياهو، مجدداً، مع مصالح الرئيس السوري الأسد، ووُلدت هذه المفارقة الغريبة التي تبدو فيها غارة العدو هدية لا فرية.
الحكومة السورية قدّمت شكوى إلى القوات الدولية في الجولان، وحظيت بدعم قوي من روسيا وإيران وحزب الله وحتى من الجامعة العربية التي علّقت عضويتها. لكن أحداً لايتوقع أن يعمد النظام السوري إلى تفجير الجبهة مع إسرائيل (الأمر الذي سيعني سقوطه السريع)، فيما هو عاجز عن السيطرة على ثلاثة أرباع الجغرافيا السورية. التطور الوحيد الذي قد يساعده على حرف الأنظار عن وضعه الداخلي، هو اندلاع الحرب في لبنان. لكن حزب الله وإيران رفضا، ولازالا يرفضان، طلبات النظام السوري بفتح الجبهة مع إسرائيل أو حتى تفجير الحرب الأهلية اللبنانية.
وهذا ماسيجعل النظام رهينة قرارات نتنياهو، فيكون هو أيضاً (أي النظام) جزءاً من مناورات هذا الأخير في الداخل الإسرائيلي، على أن يحاول توظيفها هو أيضاً في الداخل السوري. وهذه ليست حصيلة نظريات المؤامرة، بل هي إعادة قراءة في ملف العلاقات السورية- الإسرائيلية الزاخر بالتعاون، منذ اتفاق الخطوط الحمر العام 1976 الذي تقاسم خلاله الرئيس حافظ الأسد النفوذ في لبنان مع تل أبيب، إلى السلام غير المعلن بين الطرفين طيلة نيف و40 سنة في مرتفعات الجولان المحتلة.
والآن يعاد تمثيل هذه المسرحية الخفية مجددا، لكن هذه المرة ليس لتقاسم النفوذ الإقليمي بل لمحاولة حل الأزمات الداخلية لكلا الطرفين.
وفي هذا الإطار، الغارة الإسرائيلية على القافلة السورية قد تكون أول غيث "العود على ذي بدء".
سعد محيو
 
 
 

 

السابق
فياض: من يعتدي على الجيش لديه القابلية للاعتداء على اي كان
التالي
مؤتمر صحافي لحرب غدا للرد على طلب رفع الحصانة عنه