كيف يحاصر العرب والعجم ثورة سورية؟

لايقلل وصف ما يجري في سورية بـ"ثورة" من حجم المخاوف المذهبية والطائفية، ولا من محاولات الدول الكبرى والمؤثرة في الميدان السوري استثمار الدم والدمار السوريين في صراعاتها ونظام مصالحها الخارجية والداخلية. فالربيع العربي عالق في عنق الزجاجة السورية، بقوة لجم أممية، سواء من قبل النظام السوري المتداعي ببطء والمتماسك امام الثورة من جهة، او بقوة المصالح الاقليمية والدولية المتقاطعة عند الخوف من اليوم التالي لسقوط النظام. ويتجلى هذا التقاطع باستمرار تدفق الاسلحة والدعم المالي واللوجستي لنظام الاسد من قبل روسيا وايران بالدرجة الاولى، وبتقطير السلاح في المقابل للمعارضة السورية، بما لا يخل بعسكرتها، ويحول دون تحقيقها تفوقا نوعيا على سلاح الطيران النظامي سواء بسلاح الصواريخ او عبر فرض حضر جوي من قبل الجهات الدولية الداعمة.

موقف المملكة الاردنية الهاشمية يعكس ميزان الموقف العربي والخليجي تحديدا. فالمملكة تتعامل مع التطورات في سورية بوصفها حدثاً اردنيا يمسَّ أمن النظام الملكي ومستقبل الدولة، منطلقة من اقتناع تكشفه الوقائع السياسية والميدانية، مفاده أن نجاح الثورة السورية لن يكون نظامها الهاشميّ في معزل عن نتائجه التغييرية. هذه المخاطر على النظام تمتد الى دول الخليج، التي تستشعر بعض انظمتها الخطر، وتحاول لجمه ومحاصرته من خلال اظهار كلفة التغيير الثوري امام شعوبها المتحفزة له، وعبر محاولة تلميع سطحية لنظام لايزال يعتقد القائمون عليه ان التاريخ يمكن ان يتوقف على ابوابه من دون ان يهزّ اركانه المتصدعة اصلاً. تقاطع المصالح بين الحلفاء الدوليين والاقليميين وخصومهم يرتكز اذا على منع امتداد شرارات الثورة السورية الى خارجها، وهو منع تتوفر له جملة وسائل تضاف الى الوسائل اللوجستية الآنفة، التي تمنع الحسم سواء من قبل "النظام" او الثوار.

ويشكل الجانب المذهبي والطائفي عنصرا حيوياً من هذه الوسائل. فقد وفرت طبيعة النظام السوري الطائفية والدعم الايراني المستمر له سلاحا نوعيا لخصوم النظام السوري الاقليميين، اتاح استثماره في محاولة نقل السجال والصراع الى حيّز مذهبي، مستثمرة ومغذية الالتفاف الايراني والشيعي عموما حول بشار الاسد، ومظهرة هذا البعد في الصراع بوصفه سلاحا نوعياً للجم التاريخ والدفع لابقاء الربيع العربي معلقا في عنق الزجاجة السورية.وفرت ايران في مواقفها من الثورة السورية والعراق خلال السنوات الماضية، وصولا الى موقعها في لبنان والبحرين، مادة غنية للاستثمار من قوى النظام العربي والدول الكبرى. مادة تقول إن الخطر على الشعوب العربية، وغالبيتها السنية تحديدا، كامن في التهديد الايراني وبالتالي في الخطرالشيعي.

استثمار وجد صداه لدى الرأي العام الذي بات اكثر انشدادا لعصبية مذهبية، وهو ما اتاح لبعض الانظمة الخليجية القيام بعملية تدجين للمعارضين من غير الشيعة، عبر عمليات طرد اواعتقال طالت خلال السنة الماضية شخصيات اسلامية سواء في المملكة العربية السعودية، وآخرها اعتقال المفكر المعارض تركي الحمد، او الحديث المستمر عن كشف شبكات تخريبية في دولة الامارات العربية تنوعت في السنتين الاخيرتين لتشمل، الى الشيعية، تلك السنيّة ايضا… كل ذلك يتم على وقع دعاوى التهديد الايراني من جهة، وتظهير الكلفة العالية للتغيير في سورية، وبالتالي التواطؤ على الربيع العربي ومحاولة دفنه في سورية.

لكن ثمة وجه آخر لا يمكن التكهن بمدياته وتأثيراته المستقبلية، تجدرالاضاءة عليه في هذا السياق، وهي ظاهرة تشكل هيئات مناصرة للشعب السوري وثورته على امتداد العالم العربي والاسلامي والعالم. ظاهرة غير مسبوقة لجهة تحول قضية الشعب السوري وثورته الى قضية عربية بامتياز. فظاهرة تشكل هيئات شعبية واغاثية باتت تعد بالمئات لم تشهدها اي ثورة اخرى الا الثورة الفلسطينية… وهي وقائع، وإن انطوت في بعض جوانبها على بعد مذهبي تستثمره الانظمة المتصارعة وتدفع في اتجاه تبنيه، إلا أنّ البعد الاهم يبقى في ادراك الشعوب العربية العميق أنّ عدم مناصرة الشعب السوري وثورته كفيل بتطويل عمر الاستبداد في بلدانها.

وهي ترى كيف ان شعارات الاممية الاسلامية والثورة الاسلامية والوحدة العربية بات مدّعوها او حاملوها منخرطين في مشاريع المذهبية والتحصن بالعصبية الطائفية الى حلف الاقليات. هذا ببساطة ما انتجته الديكتاتوريات باسم الدين والعلمانية وباسم الوحدة أيضا، ورسخت ثقافته الفرقة الناجية والتخلف الديني. الشعوب تكتشف اليوم كيف أنّ الذين حاربوا هذه الشعارات ودفنوها هم حاملوها.

السابق
مقدمات نشرات الاخبار التلفزيونية المسائية
التالي
الحياة: السفير السوري يشكو أبو فاعور ثانية فهل يستهدف من خلاله سليمان وجنبلاط؟