سيِّد قطب المظلوم حيّاً وميتاً

"كان سيِّد قطب نموذجاً للسندباد (الفكري) الذي لم يستطع مقاومة نداء المجهول السِّحريّ،… إلى مغامرات فكرية متنوّعة… كلما حطّ رحاله على واحدة منها، وبلغ مأمنه بعد اليأس، جذبه الخطر إليه، فودَّع الأمن وعاد إلى المجازفة من جديد، وراء كلّ فكرةٍ أخرى مجهولة… وهكذا حتى دفع حياته، في النهاية، ثمناً لواحدةٍ منها، وهو نفسه يعترف بهذه الحقيقة، حينما يقول: "مَنْ منّا لم يجذبه المجهول مرَّة أو مرَّات ولم يستهوه الخطر لحظةً أو لحظات، ولم يستعذب (المعرفة) ولو تلقَّتْهُ التضحية والتصميمات". هذه هي دائرة تلخيص مضمونيّة كتاب "سيِّد قطب (في ظلال صاحب الظلال)"، للكاتبة المصرية الباحثة في الفكر الإسلامي، آمال الخزامي. وهذا الكتاب هو حلقة من حلقات "سلسلة أعلام الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي" التي يصدرها "مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي" في بيروت، ويقدم لنا هذا الكتاب سيّد قطب الإنسان، من خلال سرد سيرة حياته، منذ ولادته إلى لحظة استشهاده.
وتستعرض هذه الدراسة فكر سيد قطب وآثاره الممتدة (مؤلفاته) ومواقفه جميعاً من خلال مناقشتها لها وسبْر أغوار معالمها ومكنوناتها. وتنصف الباحثة في دراستها هذه سيد قطب الرمز الإسلامي التاريخي الذي – وعلى ما تقرّر – أن إعدامه كان خطأ جسيماً ولا مبرِّر له مطلقاً. فلقد أُعدم في العام 1966، بعد اعتقاله وسجنه وتعذيبه بالرغم من حالته الصحية المتدهورة إلى حدٍّ بعيد. إذْ واجهه النظام الناصري بتهمة الخيانة العظمى بترؤوس تنظيم إرهابي (والمقصود تنظيم الإخوان المسلمين الذي كان قد أصبح قطب مرشده الفعلي وزعيمه الأوحد في ذلك الوقت). على أن أحد المفاصل الأساسية لهذه الدراسة متمثل في أن الرئيس جمال عبد الناصر كان يرى في سيد قطب كاتباً ومفكراً فحسب، لكن عندما اكتشف في شخص قطب جوانب أخرى يمكن من خلالها أن يكون منافساً، بدأ عبد الناصر في التفكير في التخلص منه، لأنه لم يكن يقبل أي منافس له على كرسي الزعامة والسياسة. لكن ما يجدر التوقف عنده بإمعان هو ما تقرره هذه الدراسة بالقول: إن سيد قطب تحمَّل وزر الفهم الخاطئ للكثير من أفكاره ومواقفه حتى من أغلبية جماعة الإخوان المسلمين أنفسهم وخاصة الشباب منهم، إذ تبين الدراسة مفارقة لافتة، متمثلة في أن سيد قطب سئل قبل إعدامه عن سبب موافقته على رئاسة التنظيم فقال: "يركب الشباب رؤوسهم إذا لم يجدوا قيادة" تضبطهم وتؤمّن تصرفاتهم الفردية". وتؤكد الخزامي أن هذا ما وقع فعلاً، إذْ إن ما كان من شباب تنظيم الإخوان المسلمين أنهم أخذوا يفسِّرون أفكار قطب ليس كما أوردها هو وخاصة في كتابه "معالم في الطريق"، ولكن طبقاً للواقع الذي عاشوه داخل السجون من تعذيب حتى الموت وقهر ومعاناة أُسرهم في خارج السجون من تشرُّد وإهانات، فكان لهم رؤيتهم الخاصة، ووضعوا الخطط لتنفيذ تلك الرؤى (رؤى قطب)، وتجزم الدراسة أن فكر سيد قطب تنامى وانتشر بعد موته المأساوي واعتبره البعض قديس الحركات الإسلامية المتطرِّفة، فكلها تنسب نفسها إليه، وبنظرة سريعة على تلك الحركات التي اتخذت من فكره نوراً يهديها إلى الطريق، نجد أنها جميعاً خرجت عن فكره الذي كتبه ودعا إليه، وبذلك فقد ظلموه حيّاً وميتاً.
هذا، وتبعاً لما تيسَّر لي قراءته عن سيد قطب وعن جماعة الإخوان المسلمين، أتبنى وبالكامل وجهة نظر الكاتبة في هذا الكتاب والتي مفادها أنه: لقد أثير جدل كثير حول كتاب "معالم في الطريق" وأنه منفيستو الجماعات الإسلامية وهو سبب التطرف والعنف في عصرنا الحديث. هذا ملخص ما يقوله البعض – والتوضيح للكاتبة هنا – عن سيد قطب مستندين في ذلك إلى كتابه "معالم في الطريق"، دون أن يجد هذا الأديب والكاتب والمفكِّر والمصلح الاجتماعي مَنْ يُدافع عنه إلاّ القليل من الأقلام. فهل من المعقول – والتساؤل للباحثة – أن نرمي على عاتق رجل رحل منذ حوالى نصف قرن أحداثاً تجري اليوم حتى بدون سندٍ أو دليلٍ من كتاباته؟!
  

السابق
أهالي العرقوب يشكون من كساد موسم الزيتون
التالي
من يستدرج عين الحلوة إلى فتنة؟