خطوط التوتر العالي في البابلية ولعانة بين الحلفاء ومسروقة

البلدة الهادئة التي لم تصبها رصاصة واحدة خلال الاجتياحات المتعددة للجنوب من قِبل الإسرائيليين حتى بات ينطبق عليها القول:(إدخلوها بسلام آمنين)، باتت وعلى مدى عقود فريسة التوتر بين الحلفاء(أمل وحزب الله)*.
لماذا؟ لا أحد يعلم. الكل جاهل لاسباب الخلاف المستمر على أبسط الامور بدءا من يافطةٍ، مروراً بلعبة مفرقعات. الاغلبية الظاهرة في البلدة مؤيدة لحركة أمل لكن الاغلبية النائمة – حسبما يقولون – متعاطفة مع حزب الله. المصالح في مكان والعواطف في مكان آخر.
ليس هذا المهم. المهم أن الفريقين اختلفا مؤخرا على مخيم كشفي أقامه حزب الله في خراج البلدة للفتيات، فجاء صِبْيةٌ من أمل ورشقوا الفتيات في المخيم الكشفي بالحجارة فتدّخل الكبار وبدأت المناوشات والمشاكل التي وصلت الى ساحة البلدة الرئيسية. وبدأ التضارب وكل ما له علاقة بالمعارك.
وكان أن حمى أحد اصحاب المحال التجارية أحد عناصر الحزب مُخبئّا له قطعة سلاحه، وبالمناسبة، صاحب المحل من بلدة كوثرية السيّاد المجاورة. فقامت القيامة ولم تقعد. كيف لغريب ان يتدخل بين الأشقاء الحلفاء.
ترك الإخوة الأعداء خلافاتهم ونسيّ ابناء أمل خلافهم الأساس مع الحليف، فلبوّا نداء مقاطعة صاحب المحل القابع وسط الساحة العامة. فكانوا يضربون كل من يدخل محله. ولما وجدوا ان عدداً كبيراً لا زال مستمراً بـ(تنفيعه) قاموا بمبادرة الهجوم عليه بالحجارة والبيض ما أدى الى تكسير(فان) خاص به، وتكسير واجهة المحل والمنزل ومنعه وعائلته من الخروج وحجزهم داخل المنزل لساعات وذلك كله في شهر رمضان المبارك. (أعاده الله على الجميع بالخير وتقبُّل الأعمال).
فلم يكن أمام علي إبراهيم (صاحب المحل) إلا أن استنجد بالقوى الأمنية التي عملت على إخراجه من البلدة بحماية ومواكبة أمنية. في حين ظلت أغراض العائلة والمحل محجوزا عليها لحين الأتفاق على إخراج كل شيء وبسرعة قصوى من البلدة. هذه البلدة – التي يتداول أهلها بالتالي: (بس يجي الغريب لعنا ما بيعود إلو قلب يفلّ).
هذا الغريب أولاً هو ابن بلدة كوثرية السياد التي تبعد 2 كيلو تقريبا عن البابلية، وهذا الغريب طفش بحراسة أمنية لأنه وقف موقفاً ايجابياً حين خبّأ قطعة سلاح كان يمكن أن تؤدي إلى قتل أحد ما.

صورة مخيفة
قصة شبيهة الى حد كبير بقصص لبنان، المضياف، الجميل، الحلو، الكيوتcute، الناعم، البريء، المثقف، المتمدن، الحضاري، الذي يحكي 3 لغات… مقابل العرب الهمج، الرعاع، الغوغائيين، الفولغار. Vulgaire….
هذا العنف المستشري ما هو الا نموذج صغير جدا عما يحلّ ببلدنا لبنان. من قتل للزوجات، إلى خطف الأجانب، الى قطع الطرقات، إلى خطف الأولاد، إلى سرقة البنوك،… ما الذي استّجد لتتمظهر صورتنا على الشاشات بهذا الشكل المخيف؟
هل هو استشعار بالقوة الفائضة كما يقال؟ أم شعور بالظلم؟ أم تنفيس عن حالة ضغط يمارسها الزعماء على أبناء الشعب، فانفجر في لحظة تخل؟
يروي عضو المجلس البلدي في بلدة البابلية الدكتور حيدر جمّال فيقول: "ان غياب ما كان يُعرف بالآوادم في البلدة يُشعل فتيل المشاكل دائما".
ويروي حادثة مفجعة أدت الى خسارة شاب من بلدة عدلون المجاورة لـ 60% من نظره جراء تعرّضه لضرب مبرح من مجموعة شباب من بلدة البابلية عددهم بلغ 25 شاباً بسبب صوت الموسيقى العالي في سيارته خلال مروره في الشارع العام للبلدة! علما أن الحفلات في البلدة على قدم وساق والى ما بعد طلوع الفجر.
وعن دور علماء البلدة ومساجدها الأربعة المنتشرة شمالاً وجنوباً؟ يقول الدكتور جمّال: "عندما تكثر الجوامع يقلّ الدين". ويضيف: "لا توجد جوامع في البلدة بل مساجد".

مَن المسؤول؟
من ناحية أخرى، ويا للمفارقة سُرقت (كابلات) التوتر العالي خلال أقل من شهر سبع مرات في البابلية. ولم يتحرك أحد من الإخوة – الأعداء قيد أُنملة. وقام وفد من البلدية بزيارة المحافظ والمخفر لبحث قضية سرقة هذه الكابلات، لكن الأدلة الجنائية إلى اليوم لم تتحرك. هذه السرقات المتكررة والمستمرة دفعت الدكتور جمّال لزيارة كارلوس عون المسؤول في شركة كهرباء الزهراني، الذي قال:" هذه ليست مسؤوليتنا لنتحرك".
والسؤال: لماذا لا يتحرك الشباب الذين يتقاتلون فيما بينهم لحراسة أعمدة التوترالعالي خلال الليل؟ ولماذا لا تتم مراقبة الخطوط البعيدة خارج البلدة لمعرفة السارق؟ وكيف يمكن لسارق ان يتجرّأ على فعلته هذه عدة مرات في الشهر الواحد لولا أنه ينطبق عليه قول: "حاميها حراميها"؟
بعد زيارة المعنيين في شركة الكهرباء قامت البلدية بشراء (كابلات ألمنيوم) ولم يبق سوى ما يقدر بـ400 متر فقط بانتظار السارق حتى يتم استبدالهم.
والمعلوم أن كيلو النحاس وصل الى 10 دولار بالمبيع. مما جعل سرقة الكابلات تجارة مربحة، لكن السؤال لما لا تتواصل البلدة مع تجار النحاس المنتشرين في المنطقة بكثرة لمعرفة هوية السارق؟
تبرر البلدية موقفها أنها تقوم بدوريات في خراج البلدة، لكن هل تكفي دورية مؤلفة من شخصين قد يكون أحدهما على تواصل مع السارق عبر الهاتف مثلا؟ وما الذي يمنع؟ خاصة انه تم سابقاً اكتشاف شرطي بلدي يقوم بسرقة الكابلات؟
يسأل الدكتور حيدر جمّال: "ما هو هدف قوى الامر الواقع من تسييب المنطقة؟ ولماذا لا تثور الناس وتتحرك؟ فقد قال الامام علي(ع): (إني لأعجب لأناس تجوع فلا سيف يُشهر؟)".
ربما السبب أن البلدة باتت تُضاء بالموالدات الكهربائية، وانحسرت العتمة في بيوت الفقراء الذين لا يملكون المال لشراء المولد أو البنزين والمازوت، وهم يضيئون عتمة بيوتهم بقناديل الكاز والشموع.
والسخط المُعتمل في قلوب فقراء البلدة لا تهتز له أجفنة أحد لأن سيف الخدمات والتكليف معا يشدّهم نحو قاعة ثانوية البلدة خلال مواسم الانتخابات التي ترفرف شعارات استهداف الطائفة فوق رؤوسهم على الدوام. فكيف هو الحال هذه الأيام مع ظاهرة السلفيين المُرعبة على الحدود وفي قلب عاصمة الجنوب؟

أين دور علماء الدين والسلطة؟
وفي سؤال للباحث الإجتماعي الدكتورعباس رضا في محاولة لتفسير ظاهرة العنف المتكاثرة في المحيط يقول: "لا شك أن المجتمع يتأثر بالحالات والأوضاع التي يعيشها على المستوى الإقليمي والمحلي والدولي. لأن الإنسان ليس بمعزل عما يجري حوله، فأجواء التوتر التي يشهدها عالمنا العربي تؤثر على نفسية الأفراد. فالقتل والمجازر والانقلابات كلها تُسهم في تغيير البنية المجتمعية، فيتماهى الفرد في الكلام بحيث نجد ان غزله لحبيبته يدخله تعابير (الكاتيوشا – البي سفن – الدوشكا..) وغيرها من التعابير العسكرية"، "فما يحدث في سوريا جعل الفرد لا يصبرعلى أخيه أو جاره، خاصة مع انتشار السلاح والأخبار الدموية التي نشاهدها. ولم يعد يجد الانسان الحلّ إلا بالعنف. فمنظومة القيم تنتهي شيئاً فشيئاً، ولا يجب أن ننسى الأوضاع الاقتصادية المتردية أيضاً".
ويضيف الباحث عباس رضا: "رغم انه خلال فترة الاجتياح كانت الأوضاع المادية أصعب وأقسى بكثير إلا أن الفرد كان يتجه صوب الإيمان، لكن اليوم الناس تتمترس بالسلاح. فالفرد يختلق أسباباً لإفتعال المشاكل. هذه النفسيات المتوترة سببها الإنترنت والتقانة التي تُسهم بشكل كبير في إبعاد الإنسان عن إنسانيته".
ويختم: "لم يعد يؤثر أي وعظ ديني. والمطلوب سلوك عمليّ من العلماء ورجال الدين لتتعلم الناس منهم، ولم تعد نافعة مسألة في المثال والحجج، بل المطلوب منهم جميعا النزول الى أرض الواقع وبين الناس. فالثقة بعالم الدين لم تعد موجودة".
"ولكون مجتمعنا بات مجتمعاً مفتوحاً كما قال "كارل بوبر"، إضافة إلى إهمال السلطات لواجباتها، حيث أنها تلاحق المُدخن وتطنّش عن المخالف والسارق وحامل السلاح فإن الأمور إلى مزيد من التفاقم".

• لقد اتصلت بعدد من المسؤولين المحليين في حركة أمل وحزب الله في البلدة لعرض وجهتي نظرهما إلا أن الطرفين أبديا جهلهما بالحادثة. فاقتضى التوضيح.
  

السابق
الحياة: فرار 3 سجناء من فتح الاسلام وردود على كلام نصرالله
التالي
تصنيف المنشآت الغذائية في النبطية