شكراً حزب الله

تمحور الحديث السياسي داخل أروقة «14 آذار» أخيراً حيال كيفية إخراج البلاد من النقاش الانتخابي العقيم، أو وضعه في إطاره الطبيعي، وإعادة الاعتبار إلى المعضلات الأساسية التي يعانيها لبنان، ولكن «حزب الله» أبى إلّا أن يوفر هذه المهمة على «14 آذار»، واضعاً نفسه بنفسه تحت المجهر مجدداً.

لا يعني هذا الكلام التخفيف من وقع القانون الانتخابي ومدى تأثيره في تكوين السلطة في لبنان التي يستميت "حزب الله" من أجل مواصلة الإمساك بها ولو كلفه الأمر تطيير الانتخابات وتحمّل تبعات سلوكه أمام المجتمع الدولي الذي يتمسك بمواعيد الاستحقاقات الدستورية ويحذّر من أي محاولة للإطاحة بها، خصوصا أن الحزب يحاول قدر الإمكان تلافي الصدام مع هذا المجتمع ويسعى إلى تمديد الهدنة معه إلى ما بعد هذه الانتخابات التي يعوّل عليها كثيرا تبريراً لاحتفاظه بالسلطة ووضع كل العالم أمام أمر واقع التفاوض معه.

ولكن ثمة انطباع لدى الرأي العام بأن النقاش الانتخابي لن يوصل إلى أي نتيجة عملية لسبب رئيس مَردّه إلى أن "حزب الله" لا يتطلع إلى طبيعة القانون الذي يتيح التمثيل الأفضل للمسيحيين واللبنانيين عموما، لأن كل همّه ينحصر بالفوز في هذه المعركة التي يعتبرها مصيرية ربطاً بنهاية النظام السوري وحاجته إلى شرعية دستورية تحصن وضعيته بشكل أو بآخر، فضلاً عن أن الحزب الذي عمل المستحيل بين عامي 2006 و2011 للقبض على السلطة في ظروف مؤاتية له إقليميا لن يتهاون مع هذه المسألة في ظل الحالة المأزومة التي يعيشها والمحور الذي ينتمي إليه.

لكل هذه الأسباب، اعتبر الرأي العام أن "حزب الله" أراد إلهاء اللبنانيين بالسجال الانتخابي وفي مسألة حساسة تتصل بالتمثيل المسيحي بغية إبعادهم عن إثارة المسائل المرتبطة بالحكومة واستمراريتها، سلاحه ووظيفته، ودور الحزب في الأحداث السورية. هذا الدور الذي لم يعد ينطلي على أحد وخرج من كونه مجرد تخمين وتقدير وشكوك إلى وقوعه بالجرم المشهود.

فالنعي الذي أصدره الحزب بنفسه عن تشييع "القائد أبو عباس الذي قضى خلال قيامه بواجبه الجهادي" ليس الأول من نوعه، بل سبقه عشرات البيانات التي كانت تثير التساؤلات عن فحوى هذا الواجب في ظل التصعيد الخطابي مع إسرائيل مقابل التهدئة الاستثنائية على الحدود، إلّا أن الذي اختلف هذه المرة هو حجم الشخص الذي قضى وموقعه، بدليل نعيه بصفته القيادية، وانكشاف هويته لدى "الجيش السوري الحر" والوكالات الأجنبية نتيجة المعركة الشرسة التي خيضت والأشخاص الذين سقطوا واعتقلوا في أعقابها.

وقد استتبعت هذه الحادثة مباشرة بالتفجير الذي وقع في مستودع الذخيرة التابع لـ"حزب الله" في النبي شيت، هذا التفجير الذي تؤشر كل الوقائع إلى أنه مفتعل بهدف أوحد هو تبرير تشييع الضحايا الذين سقطوا في المعارك السورية التي اختلفت عن سابقتها بعد احتدامها، وأدّت على ما يبدو إلى سقوط العديد من مقاتلي الحزب في ظل نقمة العائلات وتساؤلاتها عن غياب أبنائها، خصوصا أن المجتمع اللبناني صغير ويصعب التعتيم أو إخفاء مصيرهم لفترة طويلة، فلبنان ليس في حرب أهلية ليتمّ وضعهم في خانة المخفيين قسرا.

إن التورط المفضوح لـ"حزب الله" في المعارك السورية جاء ليؤكد على السياسة المزدوجة التي يعتمدها الحزب بدعم النظام البعثي حتى الموت في سوريا، وعدم مجاراة هذا النظام في مساعيه التفجيرية للساحة اللبنانية، بمعنى أنه يلعب "صولد" في دمشق وينأى بنفسه في لبنان لعدم رغبته في الانتحار مع النظام، وحرصه على الاحتفاظ بالورقة اللبنانية تدعيما لمقومات صموده ومواجهته، فالفوضى هي آخر أوراقه ولن يلعبها إلا في اللحظة التي يشعر فيها بقرب انتهاء دوره الإقليمي.

وعليه، وفي موازاة النقاش الانتخابي، لا بد لقوى 14 آذار من إحياء المذكرة التي رفعتها لرئيس الجمهورية والدفع محليا وعربيا ودوليا نحو تنفيذ أبرز بنودها بنشر القوات الدولية على الحدود اللبنانية-السورية، لأنّ غض النظر جريمة بحق لبنان أولا نظراً لانعكاسها على مستقبل علاقاته مع المجتمعين العربي والدولي، ومن ثم خطورتها لناحية تفجير الساحة اللبنانية، فضلاً عن أنها جريمة أخلاقية بحق الشعبين اللبناني والسوري.

يستحق "حزب الله" كل الشكر على إعادته النقاش إلى جوهر المشكلة المتمثلة بسلاحه ودوره الإقليمي، ورحم الله الذين يسقطون، ولو في غير موقعهم الذي هو فقط من أجل لبنان وداخل مؤسساته الشرعية.  

السابق
400 سورية مغتصبة في مخيمات اللاجئين في تركيا !!
التالي
هاشم دعا الى زيادة موازنة مجلس الجنوب