المهمة الأخطر أمام مرسي: إثبات “صِدْقِية” الأخوان

ستكون جماعة الإخوان المسلمين المصرية في قادم الأيام في حاجة إلى الكثير من مساحيق الغسيل وكميات أكبر من العطور، لتزيل عنها الروائح غير المريحة التي أزكمت أنوف شباب الثورة وأحزابها، ناهيك بالجيش وجنرالاته، ومعهم نصف الشعب المصري الذي صوّت لصالح أحمد شفيق.

فالأخوان لم يفعلوا شيئاً في الواقع منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، سوى الإخلال بمعظم المواثيق والوعود مع الجميع: من نكث التعهُّد بالتزام شعار"المشاركة لا المغالبة"، إلى إطاحة الاتفاقات حول تشكيل كلٍ من البرلمان والجمعية الدستورية، مروراً بالطبع بإعلاناتهم المتكررة بأنهم لن يطرحوا مرشحاً لرئاسة الجمهورية.
كل هذا، وغيره الكثير على مايبدو وراء الكواليس، جعل الكثيرين يتذكّرون تاريخ هذه الجماعة التي بقيت طيلة فترة طويلة باطنية وسرّية (بمافي ذلك التنظيم الخاص العسكري المتخصص بالعنف والاغتيالات) ومُنغلقة بشكل مَرَضَي على نفسها وتنظيمها الداخلي. وهي بُنية تنظيمية- سياسية أدت إلى وضعها في خط صدامي مع كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم مصر منذ ثلاثينيات القرن القرن الماضي، من الملكيين إلى الجمهوريين.
هذه المهمة، أي نيل ثقة المصريين، قد تكون العمل الأهم للرئيس مرسي، وربما حتى أهم من المشاكل الاقتصادية- الاجتماعية الكبرى، والانفجار الديمغرافي المرعب، والطفرة الهائلة في أعداد الشبان، ومسألة استعادة الأمن الداخلي. إذ أن استمرار اتهام الجماعة بعدم الصدقية أو حتى بالكذب، من خلال مواصلتها نكث الوعود والمواثيق، سيعزلها مجدداً عن كل أطياف قوس قزح المجتمع المصري، وسيضعها على طرفي نقيض مباشر مع ثلاثي النساء- الأقباط- الشباب، كما سيحول دون إبرام أي تسويات او حلول وسط مع الجيش المصري.
ثم يجب ألا ننسى بالطبع أنه سيكون على الإخوان أيضاً أن يثتبوا لأميركا، التي كانت على مايبدو سندهم الرئيس في مواجهة العسكر (في إطار استراتيجيتها العامة لتغيير وجه الشرق الأوسط الإسلامي) أنهم أهل بالوعود التي أغدقوها عليها: الحفاظ على السلام مع إسرائيل؛ التزام مباديء "إجماع واشنطن" حول مواصلة تحرير الاقتصاد، وأيضاً عدم التعرُّض إلى حقوق الأقليات والمرأة والحريات الفردية. (كما جاء في بيان البيت الأبيض غداة فوز مرسي)
هل ستستطيع جماعة الإخوان "تغيير جلدها" القديم لتخرج من شرنقة الباطنية والسرية والإديولوجيا المغلقة إلى رحاب العمل السياسي المفتوح والموثوق؟ هل سيكون في وسعها، وربما لأول مرة في تاريخها، أن تغلِّب المصلحة الوطنية العامة على المصالح التنظيمية الخاصة؟ أم أن نشوة النصر ستجعلها أكثر تهوراً واندفاعاً نحو التقوقع والاستئثار كما فعلت طيلة الشهور الـ18 الماضية؟
ثم: هل ستكون الجماعة طرفاً في انجاح المرحلة الانتقالية التاريخية من الثقافة الفرعونية إلى الثقافة الديمقراطية (التي بدأت الآن مع فوز مدني بالرئاسة للمرة الأولى في مصر منذ 1952)، ، أم ستصبح عاملاً من عوامل فشلها، عبر تنافسها مع السلفيين على التطرف الإديولوجي؟
كل هذه الأسئلة ستنتظر إجابات سريعة من الإخوان. وأي تلكؤ في الإجابة عليها سيضعها سريعاً، لا حتى بأسرع مما يتوقع الكثيرون، بين فكي كماشة الجيش(ومعه الغرب) اللذين سيلاحقان عن كثب أي "هفوات استراتيجية" جديدة سيرتكبها الإخوان، والشباب المستعدون في كل حين للعودة إلى ميدان التحرير لمقاومة الاستبداد الديني في حال ظهوره.
* * *
حظاً سعيدا سيادة الرئيس مرسي، وفضيلة المرشد.

السابق
الأسير يُدخل صيدا في الاحتقان..«سلمياً»
التالي
قنديل:لانتاج حياة سياسية للانتصار على الطائفية والفساد