لبنان دولة فاشلة؟

مصطلح «دولة فاشلة» يطلق على أي دولة ذات حكومة ضعيفة، غير قادرة على بسط سلطتها وفرض قانونها وقراراتها من خلال استخدام القوة واحتكارها. يضاف الى ذلك، وبشكل أساسي، نظرة مواطني الدولة الى دولتهم، وأنها قادرة بالفعل على فرض سيطرتها وسيادتها بالقوة.
أحد أهم مؤشرات فشل الدولة، أو أنها في طريقها الى الفشل، أن تنظر فئة مركزية فيها، أو فئات مركزية عدة، الى أن الدولة لا ترعى مصالحها، ولا تحقق طموحاتها، بل هي غير قادرة على ذلك، الأمر الذي يمهد الطريق أمام هذه الفئات للبحث عن تحقيق مصالحها الخاصة من خلال قدراتها الذاتية، وهو ما يسبّب، كظرف مؤات، تدخل جهات خارجية ترعى هذه الفئة أو تلك، ومن ثم تملك قرارها، إلى أن تصبح تابعة لها، ما يغلّب مصالح الخارج على مصالح الداخل، بل وربما أيضاً، مصلحة الفئات التي يرعاها الخارج، وهذا ما يحصل حالياً في لبنان.

سواء عقدت طاولة الحوار أو لم تعقد، وسواء عقدت وكانت ناقصة لاعبين من حولها، أو كانت كاملة، الحال سيّان. طاولة الحوار لن تغيّر كثيراً من موازين القوى، وغير قادرة على إزاحة الجبال عن مواضعها، لكنها إشارة طيبة، من شأنها أن تسهم في تخفيف الاحتقان الداخلي، خصوصاً إذا كانت نوايا الأفرقاء طيبة. الا ان مشهد الحوار، المطلوب أيضاً لذاته، ينغص عليه عدد من المحاورين، الذين جُرّوا إليه جراً، بإرادة خارجية.
قد يرى الكثيرون أن مصطلح دولة فاشلة ينطبق على لبنان، وقد يرى آخرون، أقل تشاؤماً، أن لبنان فقط في طريقه ليكون دولة فاشلة. بينما يرى البعض أن توصيف الدولة اللبنانية بالفاشلة هو أمر مبالغ فيه، رغم وجود مؤشرات دالة عليه، لكنهم يرونها غير كافية.

قد يرضى البعض بتوصيف أقل حدة، وهو أن لبنان دولة تراض بين الفئات المكوّنة له، حيث تضع كل فئة خطوطاً حمراء، تمنع الفئات الأخرى من تجاوزها، وللمفارقة، بما يشمل الدولة أيضاً. وفي الحالة اللبنانية، لدى كل فئة رئيسية مساع وجهود، أو أقله طموح، لإزاحة الخطوط الحمراء للفئات الأخرى، وتوسيع حدود خطوطها هي، الأمر الذي يفرض، أو يزيد فرض، مكاسبها وإرادتها على غيرها. أما لناحية الدولة، فليست إلا كياناً ظاهرياً يجمع كل التناقضات داخله، مع الحرص على إبقاء شكل الدولة قائماً، لزوم آليات وطرائق الصراع القائمة بين الفئات المختلفة، وهي طرائق الصراع الممكنة حالياً، بانتظار الآتي… أما طاولة الحوار، فهي إحدى الأدوات المتاحة لتسجيل النقاط بين اللبنانيين، الأمر الذي يفسر أسباب طلبها أو رفضها أو مقاطعتها، من قبل الفئات اللبنانية على اختلافها. يرضى عدد كبير من اللبنانيين بالتوليفة القائمة، وينقادون وراء زعمائهم بشكل أعمى، فمصلحة الجماعات أهم من مصلحة الافراد، إلا أن معظمهم يرى في التوليفة القدر الممكن للاستقرار الداخلي، في ظل التجاذبات والتناقضات بين اللبنانيين، ويرون أنها شرط لازم يمنع الاحتراب الداخلي. مع ذلك، فإن التهديد كبير جداً، إذ إن التوليفة القائمة لا تبعد كثيراً عن كونها سبباً، وقد يكون رئيسياً، لإشعال الاحتراب الذي يعلن الجميع رفضهم له.

مع ذلك، ما يمنع الاحتراب، أقله حتى الآن، ليس الدولة وقواها الأمنية، وفي ذلك إشارة دالة على فشل الدولة، إذ إن القادرين على الاحتراب لا يريدونه، ومن يريده غير قادر عليه. وأثبتت ذلك كل الأحداث الأخيرة الماضية، التي كانت لتشكل فرصة لـ«قلب الطاولة»، لو كانت القدرة و/أو الإرادة، موجودتين.

والبحث في هذا المطلب قد يتجاوز لبنان الى خارجه، إذ لا تكفي إرادة الأطراف اللبنانية وقدرتها على تحديد مآلات الوضع، سواء باتجاه إبقاء الاستقرار الأمني على ما هو عليه، بالتوافق أو بالتراضي، وإن كان هشاً، أو باتجاه الاحتراب الداخلي، بهذا المستوى أو ذاك. بل قد يكون العامل الخارجي أكثر تأثيراً من كل العوامل الداخلية القائمة. في هذا الإطار، أثبتت أيضاً الأحداث الأخيرة الماضية أن لا إرادة خارجية لحرمان لبنان من استقراره الأمني، في هذه المرحلة على الأقل، وإن بدا، وهو كذلك، الاستقرار هشاً للغاية، ولا يحتاج إلى كثير من المسببات، تمهيداً للاشتعال الشامل.

من هنا لا تكفي قراءة الأوضاع اللبنانية وتحليلها، من بوابة الداخل وصراع القوى وتوازنها، بما يشمل انعقاد طاولة الحوار من عدمها، إلا كمؤشر دال على إرادة الاطراف الخارجية ومصالحها، المنعكس بداهة على الوضع والصراخ الداخلي في لبنان. لبنان دولة فاشلة أو غير فاشلة، قد يكون موضع اختلاف، أو ربما مبالغاً فيه، إلا أن الإجابة تبقى في صدور اللبنانيين، ويعبّرون عنها في تصرفاتهم وتوقعاتهم للآتي، ولسان حالهم أن الأمر في نهاية المطاف يبقى للعامل الخارجي المستحكم، وهي حال لبنان منذ زمن بعيد.  

السابق
الاخبار: حوار الإرادة الملكيّة في بعبدا اليوم
التالي
الحمصي عاتب على الإعلام!