الثورة في بلاد كل مين جوعو إلو

ألفٌ تجمعوا هنا، خمسة آلاف هناك، تحرك، إعتصام، مظاهرة، إضراب … لم يتغير الحال ولن يتغير، الوضع الإقتصادي باقٍ على اهترائه لا بل يتقهقر كما الوضع الأمني وحتى الإجتماعي.
لم يتغير الحال ولن يتغير، فنحن شعبٌ لا يحركه الجوع ولا العوز ولا القهر ولا المعاناة ولا الذل ولا الظلم نحن شعب يحركه الحقد والمزايدة، شعب يحركه الزعماء عبر تأليب الحقد، والزعماء تحركهم معركة النفوذ السياسي والصفقات والسفارات وما عدى ذلك خطوات مباركة ولكنها … غير مثمرة.

وتكفي نظرة واقعية وغير تيئيسية على المجموعات والعشائر التي تكوًّن الشعب ليطالعك السؤال التالي "من أين سيأتي التحرك الحقيقي الفاعل الذي سيحدث التغيير؟":
مجموعات المتخمين …. أشبعهم الله
مجموعات "العيّيشي" … أسعدهم الله
مجموعات ناشطي المجتمع المدني والفنانين والصحافيين والمدونين: البعض منهم تحركه المعاناة والمبادئ الإنسانية وهو قادر على إنتاج تحرك نوعي ولكن دون أي امتداد أو إستمرارية، البعض الآخرغارق في الأيديولوجيات المتحجرة أو المتحررة جداً وآخرون تغريهم الشهرة والكاميرا. معظم هؤلاء متواطئ مع الثامن من آذار – يتحرك بخجل – وآخرون مع جماعة الرابع عشر من آذار ينتظرون الفرج كما تنتظر.
الأحزاب "المعنية عقائدياً" والجمعيات والنقابات التي تتحرك بحياء "لحفظ ماء الوجه" ليس إلا.
المثقفون – فوق عروشهم العاجية – الذين أصبحوا أكبر من وضع البلاد.
الدروز الذين لن يجوعوا ولن يتحركوا فعلياً إلا إذا قرر البيك، والأولوية اليوم للحفاظ على الطائفة
الشيعة الذين لن يجوعوا ولن يتحركوا فعلياً إلا إذا قرر السيد والأولوية اليوم للحفاظ على السلاح والنظام السوري والمشروع الأكبر
السنّة الذين لن يجوعوا ولن يتحركوا فعلياً إلا إذا قرر الشيخ سعد … وتحرك الشيعة
المسيحيون القوات الذين لن يجوعوا ولن يتحركوا فعلياً إلا إذا قرر الحكيم والأولوية اليوم لتغيير الصورة في المجتمع اللبناني والمسيحي خاصة
المسيحيون العونيون الذين لن يجوعوا في عهد الإصلاح والتغيير والأولوية اليوم للإنتقام من كل من ساهم أو لم يساهم في حرب طواحين الهواء …

هذه هي مكونات الشعب العظيم وما عدى ذلك إما "مواطنون" – يدعون أنهم ليسوا مع أحد – يتحدثون طوال النهار عن الغلاء ولقمة العيش وفي النهاية يقولون "بلا سياسي!" أو لبنانيون – منذ أكثر من عشر سنوات – يتعاملون مع ما يجري في البلاد كأنه يحدث في سيبيريا أو الزيمبابوي أو جزر القمر …

هذه هي مكونات الشعب العنيد وما يجري في طرابلس – حيث الجوع قابعٌ بقوة و"صمت" – خير دليل على متى يتحرك الشعب وما يحركه وكيف …

هذه هي مكونات الشعب العنيد، وطالما لم يتم الحشد عبر أبواق الطائفية والتخويف والحقد وطالما لم تتم مداعبة "الجراح النرجسية للجماعات" ستبقى التحركات المطلبية المحقّة خجولة ومحدودة ودون أدنى فعالية، مهما حاولَت الرهان على المواطنة والرغيف وحس المسؤولية وتأثير الحركات التغييرية المجاورة.

إن هذه الجمهورية وصلت إلى ما دون حد الإهتراء ومما لا شك فيه أنها تحتاج إلى ثورة حقيقية جامعة شاملة تقلب نظامها وحكامها وشعبها أيضاً راسأً على عقب ولكن في بلاد
"الكل مين إيدو إلو
وجيبتو إلو
وربّو إلو
… وجوعو إلو"
وفي البلاد التي يجوع فيها الإنسان بأمر من شيخ العشيرة أو زعيم الطائفة
لا مكان لهذه الثورة حتى لو امتص الجوع العظام … وسقطت الكرامة والإنسانية إلى قعر العصور الأكثر ظلمةً وسواداً وهمجيةً وتخلفاً.

السابق
الرؤساء الأعلى راتباً‎
التالي
الناتو لن يتدخل عسكريا في سوريا