السلفية الشيعية تغذيها المناخات المذهبية

قبل حوالي أسبوع، تحاور الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، عبر الشاشة الكبيرة، مع الآلاف من الطلاب الجامعيين، في قاعة «مجمع سيد الشهداء» في الضاحية الجنوبية، طارحا أمامهم أفكارا حول دورهم في المرحلة المقبلة، وحثهم على تركيز اهتمامهم في هذه المرحلة على الصراع الفكري ومواجهة التحديات العلمية والإيمانية وتقديم الجوانب الأخلاقية على الجوانب الأخرى، محاذرا الخوض في العناوين السياسية.
وقد تزامن هذا اللقاء، وهو الأول من نوعه، مع ما شهدته الساحة الاسلامية عامة والشيعية خاصة، من بروز لدور التيارات السلفية والمتشددة التي تدفع الساحة نحو صراعات لا طائل منها. وعلى ضوء ذلك، دعت مصادر اسلامية لبنانية «الى ضرورة إيلاء الاهتمام بالجوانب الفكرية».. و«إلى مواجهة التيارات الاسلامية المتشددة، لانها تهدف لاغراق الساحة في صراعات جانبية بدل التركيز على الاولويات السياسية والجهادية».

ولفتت المصادر الانتباه «الى بروز بعض الاتجاهات السلفية في الساحة الشيعية سواء كردة فعل على التيارات السلفية السنية او بهدف تعبئة الجماهير وزيادة عصبيتها في ظل المتغيرات الحاصلة عربيا». وقالت المصادر انه على خلاف «السلفية السنية» والتي تعتبر مدرسة فكرية متكاملة ولها تجلياتها المختلفة، فإن «السلفية الشيعية» لا تشكل إطارا واحدا ممتدا تاريخيا وجغرافيا وليس هناك ترابط او صلات مباشرة بين المنتمين اليها.

تبرز «السلفية الشيعية» في بعض الاحيان لدى بعض غلاة الشيعة سواء كردة فعل ضد السنة، او من اجل الحفاظ على بعض الافكار والطروحات الشيعية. ومن اهم المظاهر التي يتبناها دعاة السلفية الشيعية، «لعن الصحابة»، واستعادة القضايا الخلافية الفقهية او التاريخية والقيام بممارسات غير منطقية عند مراقد الأئمة كالزحف وضرب السلاسل وحز الرؤوس في عاشوراء، كما يرفض هؤلاء اي اعادة نظر في بعض الطروحات المذهبية او بعض الممارسات الحادة في مواجهة المذاهب الأخرى.
وتنتشر «السلفية الشيعية» في بعض الدول العربية والإسلامية وتستفيد من وسائل الاعلام الحديثة ولا سيما الفضائيات والانترنت اضافة الى بعض دور النشر وتشكيل مجموعات فكرية داخل الحوزات الدينية او في بعض البيئات الشيعية المغلقة.

وقد ساهم الخلاف الذي برز بين المرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله وبعض الاتجاهات الإيرانية في السنوات التي سبقت حرب تموز 2006، على خلفية مواقف فضل الله من المرجعية الدينية وبعض القضايا التي ترتبط بالموروث الشيعي، في تعزيز دور هذه «المجموعات السلفية الشيعية»، وإن كانت بعض الاتجاهات السلفية «تنشط بعيدا عن أي دعم إيراني، ولها خصوصية فقهية وفكرية كما هي الحال في الكويت ودول خليجية أخرى وفي باكستان ودول آسيوية أخرى».
وتشكل الحملات التي يتعرض لها الشيعة من قبل بعض الاتجاهات السلفية السنية أو عبر الاستهداف المباشر من خلال التفجيرات والقتل كما يجري في باكستان أو العراق، عناصر دعم للاتجاهات السلفية الشيعية، اما عندما يحصل انفتاح وتقارب بين السنة والشيعة، فإن دور الاتجاهات السلفية يتراجع في المقلبين، وعندما يشعر أحد الطرفين بالاضطهاد، يعود التيار السلفي ويقوى دوره.

وكان لبنان قد شهد في مطلع الألفية الجديدة موجة كبيرة من المظاهر السلفية من خلال الحرب الفكرية التي شنت ضد السيد فضل الله بعد دعوته الشهيرة لإعادة النظر في بعض الأحداث التاريخية التي تشكل مادة اساسية في الموروث الديني الشيعي.
وقد استغلت بعض الجهات السلفية هذه الدعوة، آنذاك، لشن حملة قاسية ضد فضل الله عبر اصدار فتاوى تدينه، او من خلال نشر كتب ودراسات للرد على اطروحته التغييرية في الواقع الشيعي. لكن هذه الحملة تراجعت بعد حرب تموز 2006، خاصة بعد أن سحبت قيادات إيرانية وأخرى في «حزب الله»، البساط من تحت أقدام المستفيدين من هذا المناخ، عبر تعزيز العلاقة مع فضل الله والإشادة بمواقفه. وقد ساهم ذلك في إيجاد نوع من التقارب الفكري الجديد بين فضل الله و«حزب الله» وإيران لم تكن حرب تموز 2006 مفصلا وحيدا في انحسار «السلفية الشيعية»، بل هناك اسباب اخرى ذات أبعاد استراتيجية وفكرية، ذلك أن كلاً من طهران و«حزب الله» والسيد فضل الله، استشعر خطورة انتشار الأفكار والممارسات السلفية في الواقع الشيعي سواء عبر وسائل الإعلام والفضائيات او عبر الكتب والدراسات والانترنت والتي ادت الى استفزاز الجهات السنية ودفعها لشن حملة قاسية ضد الشيعة تحت عناوين مختلفة، وهو الأمر الذي أدى الى بروز أجواء محتقنة مذهبيا استفادت منها جهات خارجية إلى الحد الأقصى.

وكان لافتا للانتباه أن ايران عمدت الى عقد سلسلة من المؤتمرات للبحث في كيفية تقديم صورة اعلامية جديدة للشيعة، في الوقت الذي كان فيه «حزب الله» يجري مراجعة للواقع الثقافي الشيعي، ما دفعه الى التضييق على المجموعات السلفية الشيعية الصغيرة المنتشرة في لبنان والعمل على منع بروز أية حالة جديدة. كما اعاد الحزب ضبط كل المناهج الثقافية التي يتم تدريسها في الحلقات الداخلية والحوزات منعا لوجود أية اشارات تخدم البيئة السلفية، فضلا عن فتح وسائل إعلام الحزب أمام كل الشخصيات الاسلامية وصولا الى جعلها مساحة تفاعل ثقافي وفكري وسياسي.

اما على صعيد النتائج العملية للتقارب الفكري والسياسي بين فضل الله و«حزب الله» وإيران، سواء في مواجهة السلفية الشيعية او على صعيد الواقع الاسلامي والعربي، فلا بد من التوقف عند نقاط عدة منها:
1 – ان الواقع الشيعي شهد متغيرات سياسية واستراتيجية مهمة سواء بالنسبة لدور ايران، او على صعيد التطورات في العراق ولبنان والخليج، مما يتطلب رؤية شيعية مستقبلية قادرة على مواجهة التحديات والبحث عن القواسم المشتركة مع السنة بدلا من حالة التجاذب والصراع ولا سيما بعد الانتصارات التي حققتها الحركات الاسلامية في عدد من الدول العربية.
2- لقد نشأ أخيراً العديد من مراكز الدراسات والأبحاث الفكرية في البيئة الشيعية تهتم بتقديم رؤية جديدة للدين والفقه ومعالجة المشكلات المستجدة على صعيد الواقع، ولعبت هذه المراكز والمؤسسات دورا مهماً في تغيير الرؤية الشيعية وتراجع الحالة السلفية.
3- تشهد الحوزات الدينية الشيعية بروز موجة جديدة من العلماء ممن يحملون افكارا تغييرية ويدعون لإعادة البحث في الواقع الشيعي. كما حصلت عملية انفتاح وتلاقٍ بين بعض هذه الحوزات والمؤسسات العلمية الحديثة كالجامعات ومراكز الدراسات «كما يجري حاليا في قم بدعم من السيد علي خامنئي وشخصيات ايرانية اخرى، وكما يحصل ذلك في العراق ايضا»، وكل ذلك يساهم في دعم الافكار التغييرية ومواجهة السلفية الشيعية التي تنشط بين فترة وأخرى.
على ضوء ذلك كله يمكن فهم أسباب تراجع الحالة السلفية الشيعية في لبنان وإيران والعراق وبعض مناطق الخليج، لكن في المقابل، يلاحظ بروز اتجاهات سلفية شيعية تتواجد خارج الدول العربية وتستغل الفضائيات والانترنت للترويج لأفكارها. وأبرز نموذجين على ذلك هما السيد ياسر الحبيب المقيم في لندن والسيد مجتبى الشيرازي اللذان توليا القيام بحملة سيئة ضد السيدة عائشة زوجة النبي وبعض الصحابة، ما أدى لإثارة حملة اعلامية قاسية ضدهما وقد عمد الامام الخامنئي وبعض علماء الشيعة لاستنكار ما قاما به وإلى اصدار الفتاوى التي تحرم سب الصحابة والاساءة للسيدة عائشة.
وكلما ازداد الصراع السني – الشيعي كلما قويت السلفية الشيعية والعكس صحيح فكلما حصل تقارب سياسي وديني بين السنة والشيعة لاحظنا تراجع دور المجموعات السلفية الشيعية وإن كانت بعض هذه المجموعات تعمل لمنع التقارب والترويج للخلافات المذهبية.
وتتخوف بعض الاوساط الاسلامية المطلعة من عودة أجواء التشدد في الساحة الشيعية وخصوصا عبر إعادة شن الحملات ضد افكار السيد فضل الله وأتباعه بعد ان قام بعض المشايخ المحسوبين على تيار فضل الله بإعادة فتح النقاش حول بعض المظاهر التعبدية والايمانية والتي لها بعض القدسية شيعيا، كما برز مؤخرا ازدياد المظاهر والانشطة التي تذكر بالصراعات المذهبية القديمة، من هنا تأتي اهمية التوجيهات التي اطلقها السيد حسن نصر الله في اللقاء المغلق مع الطلاب الجامعيين بحيث اعتبر ان الاولوية اليوم للصراع الفكري والعلمي وضرورة حيازة الطلاب على مستوى كبير من العلوم لمواجهة التحديات المقبلة بدل الغرق في الصراعات الجانبية من أي نوع كانت.

السابق
أنان بعد فوات الأوان
التالي
صلاحيات الرئيس هل تُزاد؟