كابوس يخيم على اسرائيل

في أحد أيام شهر أيار من العام 2009 انقلب القارب المطاطي للمجدفة الاسرائيلية ياسمين فاينغولد في مياه اليركون على مرأى من المارة الذين كانوا يتنزهون على ضفة النهر في الحديقة الهادئة. دقائق عديدة بقي القارب منقلبا، فيما كانت المجدفة حبيسة فيه ورأسها داخل الماء.
في أثناء الثواني الطويلة وقف عشرات الاشخاص يشاهدون الحدث العسير وكأنه فيلم سينمائي. الثواني الطويلة كانت كالابد بالنسبة لفاينغولد التي كافحت في سبيل حياتها من تحت الماء. ليس واضحا ماذا فكر الواقفون جانبا، ولكن واضح ماذا كان المزاج في اسرائيل في اليوم التالي: الصدمة من حقيقة أن عشرات الاسرائيليين رأوا شخصا يغرق، وباستثناء واحد آفي تويبين، ابن 62، لم يفكر أحد في القفز الى الماء لانقاذ المرأة الشابة.

قبل نحو اسبوعين، على شاطىء بوغرشوف في تل أبيب، مارس عدد كبير من الشباب الجنس مع امرأة امام ناظر عشرات عديدة من الاسرائيليين الذين وقفوا جانبا ينظرون الى المشهد. يحتمل أن يكونوا يعتقدون ان ليس سليما ازعاج اناس في اثناء الفعل الحميم الذي أصبح علنيا من اللحظة التي صار فيها ملكا للناس؛ يمكن أن يكونوا وجدوا الامر مسليا، محفزا، مثيرا للفضول، مشوقا للمشاهدة؛ يحتمل الا يكون مريحا لهم التوجه والازعاج؛ يحتمل ألا يكونوا فكروا بانه ثمة ما هو منكر في ما تشاهده عيونهم. يحتمل ان يكونوا وقفوا هناك، رجالا ونساء، شبابا وكبارا في السن، واعتقدوا بان المرأة، أعوذ بالله، تستمتع بالامر؛ وانها ليست شريكة في الفعل الذي حتى لو تم بالارادة، فانه اغتصاب بكل معنى الكلمة، استغلال لشخص في وضع نفسي منهار، بل وربما أدنى من ذلك، لصالح لذة جنسية.

لندع للحظة المرأة، لوضعها النفسي بل وحتى للشباب بائسي وفاسدي الروح؛ لا حاجة أيضا للتوقف في هذه اللحظة عند التفسير القانوني او الاخلاقي لمشهد الفعل الجنسي الذي يتم في وضح النهار أمام ناظر الجميع. المشهد الحقيقي الذي يحتاج الى التفسير، هو المشهد المحيط بالحدث. مشهد عشرات الاسرائيليين الذين يشاهدون ما يجري ويصمتون. واحد أو اثنان يرفعان الهاتف الخلوي ويهاتفان الشرطة. امرأة واحدة تتوجه وتلقي كلمة، ولكن لا أحد يقفز الى ماء نهر الرذيلة التي تغرق عينيه. أحد لا يقفز لانقاذ حياة هذه المرأة، جسدها ونفسها. لم يتواجد آفي تويبين واحد للتصدي لتلك المهمة في ذاك الشاطىء.

هذه القصة ليست قصة عن الجنس، ليست قصة عن سلوك الشرطة ولا حتى عن معايير المسموح والممنوع، المقبول والمرفوض؛ هذه القصة هي قصة مجتمع فقد الضمير؛ المجتمع الاسرائيلي في العام 2012 هو مجتمع في لحظة واحدة تعد اختبارا مفاجئا غير مخطط له، يوضح بالشكل المطلق لنفسه وللعالم ما هو وما هي طبيعته: مجتمع يقف جانبا. مجتمع يمتنع. مجتمع لا يتدخل. لا يشارك. مجتمع لا مبالٍ؛ مجتمع الافراد فيه يركزون على أنفسهم، وعلى أنفسهم فقط.

اولئك يركزون على متعتهم المريضة من فعل جنسي كهذا؛ اولئك يركزون على متعتهم بالمشاهدة؛ اولئك يركزون على خوفهم من التدخل؛ اولئك يركزون على أولادهم؛ اولئك على شؤونهم؛ اولئك على مصالحهم؛ اولئك على ايديولوجياتهم؛ اولئك على ميزانياتهم؛ اولئك على آلهتهم. ولكن لا احد، لا احد في اسرائيل اليوم يركز على أحد ما وعلى شيء ما ليس نفسه.
هذه هي الحقيقة. التكافل الاسرائيلي، ذاك الذي أحببنا أن نتحلى به على مدى السنين، الادعاء بياقة زرقاء بيضاء مرفوعة الرأس بانه يميزنا عن باقي الشعوب؛ الروح الاسرائيلية الشهيرة؛ الاخوة، سواء للمقاتلين؛ سواء للمواطنين في الامة؛ سواء من الاسرائيلي الى أخيه الاسرائيلي. من كل هذا لم يتبقَ شيء.

لن يجدي الف يوم تطوع، مائة حالة تبرع في التلفزيون وخمسمائة نشاط لوزارة التعليم؛ في الاختبار الحقيقي، اختبار الحياة، الاختبار الذي وقفنا أمامه جميعنا على شاطيء بوغرشوف قبل اسبوعين، فشلنا كمجتمع. وحان الوقت لقول الحقيقة: اسرائيل التي كانت ذات مرة، اسرائيل التي من أجلها كنا نبعث لابنائنا لان يموتوا ويميتوا، اسرائيل التي الكثيرون جدا يسمون أنفسهم وطنيين لها، اسرائيل هذه تتشكل من مجموعة أشخاص لم يعودوا جديرين بان يسموا مجتمعا.
وذلك لان المجتمع يقوم على جذر الجمع، على قيمة الشراكة في المصير؛ ومن اليوم الذي لا يكون فيه لاحد في اسرائيل صديق غير نفسه، من اليوم الذي يكون فيه كل واحد وواحد لمصيره نكف عن أن نعيش كمجتمع أو كأمة. فالامة التي لا يتبقى فيها ابراهام تويبين واحد ولا حتى ولي واحد يقفز الى الماء العاصفة كي ينقذ اخته؛ امة كهذه هي كسدوم. وكل عقاب يوقع عليها تستحقه.

موعد الفصح هذا العام. تذكروا هذه اللحظة في الزمن: فهي رمزية لا تقل عنها فظاعة. وهي تستدعي لنا جميعا فرصة للنهوض من الكابوس الذي نعيشه في هذه البلاد انطلاقا من النية المبيتة لاحداث تغيير حقيقي. اذا ما مررنا عن ذلك أيضا بصمت أو بهزة كتف كلها معاذير وتفسيرات منمقة، واكتفينا مرة اخرى بمط الشفاه، يمكن حقا حتى لو كان جسدنا هذا لا يزال يعتبر حيا، فان الروح الاسرائيلية في داخله قد ماتت بلا عودة.

السابق
عضُّ مرشّح للرئاسة
التالي
إضراب الأسرى: ملح وماء وروح