علي فضل الله: لتأمين حاجات المواطن وتحقيق استقراره ومنع الساعين للعبث بالواقع الأمني والغذائي من تحقيق أهدافهم

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"لا يزال العالم العربي والإسلامي في دائرة الاهتزاز الذي نخشى أن يكون عنوان المرحلة، بحيث يعيش هذا العالم حالة الاستنزاف الأمني والسياسي التي تستهلك قدراته البشرية وثرواته وإمكاناته الاقتصادية، فبدلا من أن يتوجه إلى تنمية الداخل ومواجهة تحديات الخارج، ينشغل بواقعه الداخلي وبالتناقضات التي تعصف به، ما يسهل على الكيان الصهيوني أن يقضم ما تبقى من أرض فلسطين، ويثبت أقدامه فيها، ويكون الأكثر استقرارا وقوة في المنطقة".

اضاف: "ومع الأسف، عندما نتحدث عن ذلك، فإننا لا نتحدث دائما عن خارج يسعى لتثبيت مواقعه بإثارة الفتن والقلاقل، بل أيضا عن داخل يسعى لتخريب بيته بيديه، ويتحرك من دون أن يفكر جيدا في العواقب. صحيح أن هناك معاناة، في داخل كل بلد عربي وإسلامي، تستدعي تعبيرا أو انتفاضة أو ثورة، ولكن هذا لا يعني أن نواجهها من دون أن ننظر إلى من حولنا وما حولنا، ومن دون أن نتدبر العواقب التي طالما نبهنا رسول الله إلى ضرورة مراعاتها، عندما أوصى أحد أصحابه: "إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن يكن رشدا فامضه وإن يكن غيا فانته عنه".

وتابع: "ومن خلال ذلك، نتطلع إلى سوريا وما يحدث فيها، حيث لا نستطيع أن ننكر حاجة هذا البلد إلى حرية التعبير وتحديث الواقع السياسي والاقتصادي والأمني والدستوري والحريات، وإلى إعادة النظر في التعامل مع المواطنين ومعاناتهم وحاجاتهم، سواء كانت مادية أو معنوية، ولكن هذا لا يعني تخريب هذا البلد، وجعل المواطنين يعيشون الهاجس الأمني، من خلال التفجيرات المتنقلة في أكثر من مدينة سورية، والتي تضيف إلى معاناة المواطنين فيه معاناة جديدة".

وجدد "التأكيد بأن الحل الأمني لا يؤدي إلا إلى مزيد من الدماء وزيادة التدخلات الدولية والإقليمية، وجعل هذا البلد في مهب رياح مصالح الآخرين، الذين لا ينظرون إلى ما يحدث فيه إلا بعين مصالحهم الاستراتيجية وحفظ وجودهم ورعاية الاستقرار للكيان الصهيوني".

وقال: "لذلك، في الوقت الذي نأمل لكل مساعي الحلول التي تتحرك في هذه المرحلة أن تنجح وتساهم في إيقاف نزيف الدم، نشدد على جميع المعنيين في سوريا من معارضة ونظام، أن يأخذوا زمام المبادرة، وأن ينطلقوا بشجاعة نحو الحل السياسي، ليكون الحل سوريا. ونحن نتطلع إلى العرب جميعا أن يتحلوا بالمسؤولية تجاه الملف السوري، ليبادر كل منهم، وبحسب إمكاناته، لإقناع من لا يزال يراهن على الحلول العنفية، بأن ينضم إلى طاولة المفاوضات، ليكون الحل من خلال الحوار المباشر الذي ينقل سوريا إلى مرحلة أخرى، هي مرحلة التغيير الذي نريد لخطواته أن تتسارع بالصورة التي تقنع الشعب السوري بأن هناك مرحلة جديدة جادة قد بدأت ولن تتوقف، بدأت لا لتستوعب مرحلة، بل لتثبيت دعائم بلد لا يمكنه إلا أن يكون قويا في داخله، حتى يستطيع مواجهة تحديات الخارج".

اضاف: "أما العراق، الذي يتحضر للقمة العربية في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، فقد أراد العنف الوحشي الذي استهدف عددا من أسواقه ومدنه، أن يرسم حدودا من النار لهذه القمة، ليقول للعراقيين إن مستقبلكم ومستقبل المحيط هو في هذه المشاهد الدامية. ولكننا نعتقد أن الشعب العراقي والسلطة العراقية سوف يتجاوزان هذا المأزق نحو مرحلة أكثر إشراقا للعراق وللمنطقة". ونقول للمسيحيين في العراق، إن اليد التي تستهدف كنائسهم هي نفسها التي تمتد بالقتل والاغتيال لتطاول كل الأطياف العراقية وكل المذاهب والطوائف، ولا يمكن مواجهة هذا الواقع إلا بتكاتف العراقيين جميعا في وجه هذا المخطط الإجرامي، الذي لا يستهدف طائفة معينة أو مذهبا معينا، بل يستهدف العراق بكل طوائفه ومذاهبه وأعراقه، وهو لا يريد للعراق أن يكون مستقرا وقادرا على لعب دوره المميز في المنطقة والعالم".

وقال: "اننا، وعلى الرغم مما يجري في أكثر من موقع عربي وإسلامي، علينا ألا ننسى فلسطين المحتلة وعذابات الشعب الفلسطيني الذي لم تكد تتوقف غارات الطيران الصهيوني عن استهدافه في غزة، حتى انطلقت غارات مستوطنيه على أهلنا في الضفة، في عمليات قطع لأشجار الزيتون، وفي استباحة استيطانية جديدة لا يعبأ فيها العدو بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ولا بقرارات المنظمة الدولية التي تستنفر ديبلوماسييها عند أي حدث في العالم العربي، فيما لا تتخذ أي إجراء كفيل بوضع حد للممارسات الإرهابية الصهيونية التي تطاول الشعب الفلسطيني، وليس آخرها ما يتعرض له المعتقلون الفلسطينيون، حتى فيما يسمى بالسجن الإداري، وما هناء الشلبي التي دخلت المستشفى بعدما تفاقمت حالتها الصحية، إلا نموذج لذلك".

اضاف: "أما لبنان، الذي لا ترسو بواخر الكهرباء على شاطئه، ولا تسير سفينته السياسية والمعيشية إلى شاطئ الأمان، ولا تنطلق فيه الحركة الرسمية للاسراع لبدء العمل في التنقيب عن ثروته النفطية والغازية، كما لا يسعى كما ينبغي لحماية ثرواته النفطية لمنع العدو من الاستيلاء عليها، فهو يحتاج إلى تأمين حاجات المواطن اليومية وتحقيق استقراره الداخلي ومنع الساعين للعبث بالواقع الأمني والغذائي والصحي من تحقيق أهدافهم، فضلا عن ضرورة إبقاء خطر الكيان الصهيوني ماثلا في ظل تهديداته المتواصلة".

وتساءل "إلى أين وصل العمل لوقاية البلد من تكرار أزمة اللحوم الفاسدة، والأسماك الفاسدة، والأدوية منتهية الصلاحية، والمياه غير الصالحة للشرب، التي جعلت الإنسان يخاف أن يشتري لحما أو يدخل إلى مطعم أو يشتري دواء. ومع الأسف، لا توجد حتى الآن حلول واضحة تجعل المواطن يطمئن بأنها سحابة صيف ولن تجر وراءها سحبا أخرى. ألم يئن الأوان حتى يرى الناس دولة تفكر لهم، تخطط لهم، تهتم بهم، تتوقى المشاكل قبل حدوثها، لا دولة تنتظر الأزمات والفضائح حتى تتحرك، وإذا تحركت فإنها لا تتحرك بجدية، بل تعمل على تبسيط الأمور والتخفيف منها، ولا تستنفر أجهزتها لملاحقة المفسدين. أجساد المسؤولين حاضرة فيها، لكن قلوبهم وعقولهم وكل ما يشغلهم في أمكنة أخرى؟؟.

السابق
احمد قبلان: لبنان من جنوبه إلى شماله مهدد بأكثر من فتنة
التالي
عمرو دياب يتلقَّى العزاء في والدته