هذا ما اقترحه الأسد على أنان لوقف العنف

قسم السياسيون المتابعون للوضع السوري في ضوء مهمتي الموفد الاممي – العربي كوفي انان في دمشق، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في القاهرة، الى فريقين: الاول متشائم، والثاني اقل تشاؤماً.
فالفريق المتشائم يعتقد ان موجة التفاؤل بحل الازمة السورية التي رافقت زيارة انان لدمشق، واجتماع لافروف مع نظرائه العرب في القاهرة واتفاقه معهم على نقاط خمس تكون اساسا لقرار يصدر بالإجماع عن مجلس الامن الدولي، لا تستند الى اساس موضوعي، فالأوضاع ما زالت على حالها والتصعيد السياسي والامني والاعلامي مستمر.

وما وجهة نظر هؤلاء المتشائمين الخطب التي القيت في جلسة مجلس الامن أمس للبحث في اوضاع الشرق الاوسط وتقويم نتائج "الربيع العربي" والتي تحولت في غالبيتها مناقشة للاوضاع السورية، ولم يسمح للمندوب السوري بشار الجعفري بشرح وجهة نظر بلاده في اعتبارها جلسة لمجلس الامن وسوريا ليست عضوا فيه، وكانت مخصصة لمناقشة قضايا المنطقة بأسرها وليس الوضع السوري تحديداً.

ويؤكد هؤلاء المتشائمون ان خطاب وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون المتشدد أظهر ان نتائج اجتماعها بنظيرها الروسي لافروف لم تكن ايجابية وأن واشنطن التي ابدت بعض التراجع في موقفها من الأزمة السورية خلال الايام الماضية قد رضخت لضغوط اللوبي الاسرائيلي واعضاء الكونغرس المعروفين بصلتهم الوثيقة بتل ابيب وفي مقدمهم السيناتور جون ماكين والسيناتور جو ليبرمان.

اما المنتمون الى الفريق الاقل تشاؤما، فيعتقدون ان هذا التصعيد يرافق عادة جولات المفاوضات ويسبق لحظات الاتفاق على حلول. ويذكّر هؤلاء بأن الحكومة الاسرائيلية قد زادت من قصفها للبنان عام 2006 عشية الموعد المحدد لـ"وقف الاعمال الحربية" وتنفيذ القرار 1701، وان اكثر الجولات عنفا في تلك الحرب كانت تتزامن مع المداولات التي كانت تجري في مجلس الامن لاتخاذ قرار حول لبنان، والجميع يذكرون كيف ارتبطت تلك الجولات بمحاولات فرض بنود في القرار الدولي تغير من طبيعة مهمة قوات "اليونيفل" وتحولها قوات متعددة الجنسية وهو ما كانت ترفضه المقاومة في لبنان، كما كانت ترفض ومعها رئيس مجلس النواب نبيه بري أي بنود تكافىء العدوان الاسرائيلي وتستجيب مطالبه.

ويعتقد قليلو التشاؤم ان زيارة أنان لدمشق ما كان ممكنا لها ان تتم لولا استنادها الى مناخ من التسوية الدولية التي تحتاج الى بعض التمهيد يقوم به المبعوث الدولي مع الرئيس بشار الاسد ومع مسؤولين في المنطقة معنيين مباشرة بالملف السوري كأمير قطر الشيخ حمد والحكومة التركية. وكذلك ما كان ممكنا لوزراء الخارجية العرب ان "يستضيفوا" لافروف لولا وجود مناخ داخل الجامعة العربية يُحبّذ الحل الروسي ويستبعد افكارا من نوع تسليح المعارضة أو الاعتراف بـ"المجلس الوطني السوري" المعارض، وهو ما اعلنه وزير خارجية مصرمحمد كامل عمرو بعد استقباله أنان.

ويعطي هذا الفريق مثلا تردده السلطات السورية من أن هذا التصعيد الاعلامي الكبير الذي سبق جلسة مجلس الامن وتحدث عن مجازر دموية ارتكبها النظام في عدد من احياء حمص وحماة، مرده الى شعور المتضررين من أي حل في سوريا، فارادوا الضغط على مجلس الامن لكي يتخذ مواقف سلبية من دمشق.

ويذكر الفريق نفسه بالاجواء التي اشاعها الاعلام المعارض لدمشق صبيحة

جلسة مجلس الامن اوائل شباط المنصرم بهدف الضغط لاتخاذ قرار يبرر تدخلاً عسكرياً في سوريا، وقد تبين بعد ساعات أن جثث الضحايا التي نشرت وسائل الاعلام صورها هي لمخطوفين على يد المسلحين تعرّف ذووهم عليها.

ويقول هؤلاء "ان النظام قادر على اخفاء جريمته اذا كان هو مرتكبها ولا يعقل أن يسمح بتصوير هذه الجثث وتوزيع صورها عشية انعقاد مجلس الامن، فالامر إذن هو جزء من مخطط يرمي الى ايجاد مناخ دولي يعطل فرص التسوية التي تقودها موسكو والتي يعتقد كثيرون أن ادارة اوباما ليست بعيدة عنها". ويضيفون:"ان النظام السوري قد حقق اختراقات لمصلحته على الصعد الميدانية والديبلوماسية، ولكنه ما زال يواجه "الطوفان الاعلامي" المعارض بهدف خلق مناخات تبرر تدخلا عسكريا مباشرا يدرك أهل هذا الطوفان صعوبة حصوله والمخاطر الكبرى الناجمة عنه اذا حصل فعلاً".

ويعتبر هؤلاء "ان ما يقدم عليه المتضررون من التسوية السياسية في سوريا هو ايضا محاولة لاضعاف آثار الاختراقات السورية في ميداني الامن والديبلوماسية، ويقولون:"ان الاعلام قد ينجح في تضليل جميع الناس بعض الوقت، أو تضليل بعض الناس كل الوقت، ولكنه لا يستطيع تضليل جميع الناس كل الوقت"، ويرون "ان فرص التسوية السياسية ما زالت كبيرة على رغم كل الصخب المرافق لها، وان دمشق تمتلك اوراقا قوية لمصلحتها، تمكّن الاسد من ان يكون واضحا مع انان في رفضه التعامل مع كل ما يصدر عن جامعة الدول العربية، اذ كيف تقبل سوريا قرارات جامعة علقت عضويتها وهي الدولة المؤسسة فيها ثم تريد ان تفرض قرارات لم تتشاور معها فيها؟".

وتفيد معلومات في هذا المجال ان الاسد ابلغ الى أنان أنه يؤيد "آلية دولية لمراقبة وقف العنف في سوريا"، ولكنه اشترط ان "لا يكون فيها مراقبون من اي دولة اتخذت مواقف معادية لسوريا لا سيما الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وبريطانيا وغيرها من دول عربية واجنبية". كذلك إقترح الأسد "ان تكون آلية المراقبة من دول غير منحازة"، ورشح لهذه المهمة دول "البريكس" التي تضم اكثر من ثلثي سكان العالم، وتتمتع بصدقية في اداء دورها".

وربما حمل انان الملاحظات السورية الى الدوحة وأنقرة، وربما نقل ايضا معلومات "فوجئ" بها، ومنها اغتيال سارية نجل مفتي سوريا الشيخ احمد بدر الدين حسون، ولكن البعض يعتقد ان مهمته "كانت استكشافية لدرس معنويات الرئيس السوري وهو اسلوب تعتمده عادة الادارة الاميركية في التعرف الى شخصيات القادة المناوئين لها ودرس مدى ارتباكهم أو تماسكهم".

وفي كل الحالات فإن الميدان يبقى هو الفاصل في مستقبل الأحداث الجارية في سوريا، وان التهويل على دمشق، لن يفيد المهولين، بحسب قريبين منها، "لأن خبرتها في مواجهة التهويل والضغوط طويلة، فهي لم ترضخ للضغوط الاسرائيلية عام 1982 في لبنان والتي فقد فيها الجيش السوري الآلاف من ضباطه ورتبائه وجنوده، ويتذكر كثيرون كيف انها أسقطت عام 1983 طائرات اميركية في سماء لبنان، فيما كانت ادارة ريغان ترسل مبعوثها ماك غافر لترتيب حل لبناني أدى الى سقوط اتفاق 17 ايار وإنسحاب قوات "المارينز" ومعها المدمرة "نيو جيرسي".

السابق
حوري: قد نتشاور في موضوع الجلسة التشريعية
التالي
حكمة أنان!