متري: يُغلّب مصلحة فريقه على المصلحة الوطنية

علّق الوزير السابق طارق متري على إعلان وزير الخارجية عدنان منصور “عدم مشاركة لبنان في مؤتمر أصدقاء سوريا”، موضحاً ان “مسألة المشاركة لا تعالج بهذه الخفة وتقتضي من الحكومة تشاوراً أكبر”. وأعرب عن خشيته من أن يكون منصور “يغلب مصلحة فريقه السياسي على مصلحة لبنان العليا”.

ورأى في حديث الى “المستقبل” أمس، أنه “إذا دعا مؤتمر تونس الدول المجاورة لسوريا الى الاهتمام أكثر بالنازحين إليها، فهذا سيكون ضغطاً إضافياً على لبنان وتذكير بأهمية القيام بواجبه في إيوائهم ومساعدتهم”. وأعلن أن “هناك جهة معيّنة تقرر أن تجعل من العنف السوري، عنفاً قابلاً للإنتقال إلى لبنان والجهة القادرة على فعل ذلك ليست لبنانية”. وهنا نص الحوار:
أكد وزير الخارجية عدنان منصور أمس أن لبنان لن يشارك في مؤتمر “أصدقاء سوريا” في تونس. برأيكم، هل هو يتصرف بناءً على طلب الحكومة، أم أن ارتباطاته تدفعه الى أخذ مواقف “متطرفة” تخدم فريقه؟

ـ لا أدري ما إذا كان الوزير منصور استشار رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال سليمان ونجيب ميقاتي، لأننا نعلم أن مجلس الوزراء لم يجتمع منذ أسابيع، أي منذ أن تمّ الإعلان لمؤتمر تونس. هذه قضايا جدية وحساسة. صحيح أن لبنان يسعى لكي لا يكون في موقف يرتّب عليه مسؤوليات كبيرة لجهة الإنحياز الى الشعب أو النظام السوري، هكذا يقول المسؤولون عندما يتحدثون عن “سياسة النأي بالنفس”، لكن في الوقت ذاته يقولون إن لبنان لا يخرج عن الإجماع العربي والدولي.
إن مسألة المشاركة في مؤتمر تونس لا تعالَج بهذه الخفة وتقتضي من الحكومة تشاوراً أكبر. وهنا لا بد من الإشارة الى أنه في دول العالم الديموقراطية كلها، تقوم الحكومة بمشاورة المعارضة، لذلك كان حرياً بالحكومة أن تتشاور في ما بينها وأن تشاور المعارضة أيضاً لكي يأتي الموقف اللبناني معبّراً عن مصلحة البلد التي تتعالى على مصلحة الأفرقاء السياسيين. أخشى أن يكون الوزير يغلّب مصلحة الفريق السياسي الذي ينتمي إليه. عادةً إن السياسة الخارجية تتعالى على الإنقسامات السياسية الداخلية ولكنهم في بعض سلوك حكومتهم بدوا وكأنهم ليسوا مدركين لأهمية التعالي عن الإنقسام، كأنهم يدافعون عن موقف طرف، ولو كرروا ألف مرة “النأي بالنفس” هذا لا يكفي. المطلوب هو التشاور في المواقف التي تخدم المصلحة اللبنانية العليا والتي لا تُخرج لبنان لا من الإجماع العربي، ولا من الحدّ الأدنى من التضامن مع الشعب السوري، ومن دون التدخل بالشؤون السورية.

هل صحيح القول إنه إذا اتخذنا موقفاً متضامناً مع الشعب السوري فيعني أننا نزجّ بأنفسنا في أحداث الداخل السوري؟
ـ هناك اتفاق غير معلن بين القوى اللبنانية، أو تلاقٍ على الإحجام عن التدخل في الشؤون الداخلية السورية، والكل يعلم أنه لا يوجد أحد يتدخل بالشؤون السورية مهما قالوا أو إتهموا، لذلك ما من طرف لبناني يتدخل، لكن من حق المواطنين أن يعبّروا عن آرائهم وتعاطفهم مع الشعب السوري وهذا لا يعني تدخلاً في الشؤون السورية. ألا تعتقدون أن لبنان بموقفه من الأحداث السورية قد عزل نفسه عربياً ودولياً، وهل من مجهود ديبلوماسي مضاعف عليه القيام به كي يعود الى الخارطة الدولية من جديد؟
ـ لا شك في أن هنالك الكثير من الدول العربية والأوروبية الصديقة للبنان التي تتفهم حالة لبنان، وهذا التفهم يجب ألا يكون مدعاة للإعتزاز عند البعض، لأن هذا التفهم فيه بعض الشفقة على لبنان، كنت أتمنى ألا يكون مدعاةً لشفقة الآخرين، “مسكين لبنان لا يستطيع أن يكون له موقف تجاه أي موضوع لأنه بلد منقسم على ذاته وبلد يتأثر بالأوضاع داخل سوريا، وأن الاستقرار هش”، هذا ما يسمى تفهماً للبنان ينقصه الإعتراف بأن لبنان دولة قادرة على أن يكون لها سياسة خارجية تستطيع أن تقول كلمة في المحافل العربية والدولية، نحن دولة صغيرة لكن كان للحكومة دور وتأثير في العالمين العربي والدولي لأنها كانت قادرة على صياغة موقف معبّر حين كانت تدافع عن قضايا عادلة. أعتقد أن تفهّم العرب والعالم لنا وإن كان يريح البعض إلا أنه يضعف دور لبنان، وسنحتاج إلى ديبلوماسية من نوع آخر لاستعادة بعض ما فقدناه من دورنا العربي والعالمي.

حين ينتهي مفعول تفهّم الدول لموقف لبنان، كيف تتوقعون أن يكون رد الفعل العربي والدولي على مواقفه؟
ـ الكل يعلم من هي الجهة الحاكمة في الحكومة ومقدار النفوذ السوري في لبنان، فلذلك هم يتفهمون موقف لبنان. لذلك نستطيع تجاوز هشاشة الموقف اللبناني بموقف يتعالى عن انقساماتنا وهذا ما نفتقده. ليس من موقف لبناني في السياسة الخارجية يتعالى عن الإنقسامات، هناك موقف يهرب من أخذ الموقف أو نجد أن لبنان يتراوح بين الإنحياز للنظام السوري أو الهروب، وهذا لا يخدم لبنان.

ماذا تتوقعون أن يُنتج مؤتمر “أصدقاء سوريا” من مقررات، وما هو تأثير هذه المقررات على لبنان؟
ـ أعتقد أن مساعدة اللاجئين واجب إنساني وأخلاقي قبل أن يكون مسؤولية سياسية، لذلك يجب أن ينتهج لبنان سياسة مساعدة للنازحين من منطلقات إنسانية وأخلاقية، بالإضافة الى ذلك هنالك واجبات على لبنان بصفته وقّع العديد من الإتفاقيات العالمية حول مسائل اللاجئين، لذلك يتوجب عليه ألا يخرج عن القوانين والأعراف في هذا المجال. إذا دعا مؤتمر تونس الدول المجاورة لسوريا الى الإهتمام بشكل أكبر وأفعل بالنازحين إليها، فهذا سيكون ضغطاً إضافياً على لبنان وتذكير بأهمية القيام بواجبه في إيواء النازحين ومساعدتهم.

يبدو أن الموقف تجاه الوضع السوري منقسم داخل الحكومة خصوصاً بعد موقف رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط، برأيكم هل من الممكن أن يتصاعد هذا الموقف ويكون سبباً بفرط عقد الحكومة؟
ـ لا يبدو لي أن الخلاف تجاه ما يجري في سوريا، لا سيما القمع الدموي العنيف الذي يتعرض له أهل حمص وسواهم، ينسحب على المسائل الأخرى، الحكومة الحالية في الكثير من القضايا أصبحت أقل تجانساً مما كانت عليه حين تأليفها، لكن رغم التنافر بين بعض أعضائها فإن ذلك قد لا ينذر في القريب العاجل بانفراط عقدها، ربما لأن وقت الإنسحاب منها لم يأتِ بعد.

هل سيكون لتطور الأحداث الداخلية في سوريا إنعكاسات سلبية على لبنان، وعلى أي مناطق، وهل أحداث الشمال جزء منها؟
ـ ليس من دليل قاطع على ان ما جرى في طرابلس هو نتيجة فيض العنف السوري الى ما وراء الحدود السورية، لكن هناك خشية مشروعة عند الكثيرين من اللبنانيين من أن يؤدي إستمرار العنف وتصاعده في سوريا الى التأثير على لبنان، التأثير ليس تأثيراً طبيعياً بل “مُهندَس”، هنالك جهة معينة تقرر أن تجعل من العنف السوري، عنفاً قابلاً للإنتقال إلى لبنان والجهة القادرة على فعل ذلك ليست جهة لبنانية. اللبنانيون عموماً مدركون أن نقل العنف السوري الى لبنان هو ضد مصلحة الجميع لذلك هنالك إتفاق غير معلن لتجنيب لبنان إستدعاء العنف السوري داخل أراضيه، لكن هذا لا يعني أننا محميون أو ذوو مناعة كافية تحول دون إشعال ولو محدود لعنف ما في بعض المناطق اللبنانية له علاقة بالوضع في سوريا.

ما هي السياسة الديبلوماسية التي يجب على الحكومة أن تتبعها، وهل سيستطيع ميقاتي أن يتجاوز الإمتحان الجديد تجاه الوضع السوري؟
ـ يحاول الرئيس ميقاتي أن يتجنب المنزلقات وأن يخفف قدر المستطاع من الإنقسامات الحادة حول القضايا الكبيرة التي كانت في الماضي سبباً للفرقة بين اللبنانيين. لكنه رغم ذلك يواجَه من داخل حكومته بمواقف لا تنسجم كثيراً مع أسلوبه وميله الى معالجة المشكلات بحكمة ومن دون استفزاز أحد، فهو ليس حراً في إدارة سياسته ويحاول أن يوسع هامش حريته، وقد يوفق في ذلك وقد يضطر أحياناً إلى مراعاة جهات سياسية معينة. أما في ما خص السياسة الديبلوماسية التي يتوجب على الحكومة أن تتبعها، فهي تتمثل في أن تشارك الحكومة جميع اللبنانيين في ذلك، ويجب التوفيق بين الحياد وواجبات لبنان الإنسانية وعلاقاته العربية والدولية.

السابق
قتيل صدما على أوتوستراد ضبيه
التالي
الشيعة يتعرضون لمحاولة استتباع