الجيش في مرمى “14 آذار”… خدمة للمؤامرة؟

بعد ان تفاقم الوضع على الحدود الشمالية الشرقية للبنان مع سورية وانقلبت منطقة بكاملها اوتكاد تكون منطقة تحشد وتدريب للمسلحين الذي يتسللون إليها، وبعد ان افتضح تهاون الطرف اللبناني في الاضطلاع بمسؤولياته القانونية والاتفاقية لجهة منع تشكل حالات على الارض اللبنانية تهدد الامن السوري، قام الجيش اللبناني بمهمة ضرورية لمعالجة ما امكن من ظواهر الانتهاك للقانون في تلك المنطقة، مهمة جعلت بنجاحها جماعات "14 آذار" يثورون على الجيش ويستنكرون قيامه بواجبه، ويعتذرون من الأهالي لان الجيش اعاد لمنطقتهم الأمن وحَدَّ من السعي لاخراجها من قبضة الدولة. ردة الفعل هذه، تعطف على تهديد سورية أيضاً اذا تعقبت المسلحين المتسللين من لبنان، ما يطرح تساؤلات عما يريده هؤلاء، ولماذا يغيظهم تطبيق القانون على الحدود السورية؟
قبل الاجابة لا بد من التذكير بان الجيش اللبناني يضطلع بمقتضى القانون بمهمة الدفاع عن لبنان – الدولة اي بمهمة الدفاع عن ارض لبنان وشعبه والسلطة القائمة فيه، وهي مهام تفرض على الدولة التي انشأت الجيش واسندت له هذه المهام ان تقوم بواجباتها حياله لتمكنه من النجاح في أدائها. لكن السلوك، وللاسف، جاء خلاف ذلك حيث نجد ان الدولة تطلب من الجيش وتقصر في اعطائه. والاسوأ من هذا ان بعض فئات الشعب اللبناني "تمدح الجيش" اذا جاءت مهمته متوافقة مع مصالحها، وتنقلب عليه وتستنكر مهامه ان ادت الى نتائج تمنعها من الشرود بعيدا من المصلحة الوطنية، ثم يمعن هذا السياسي او ذاك ممن "تضرروا" من المهمة الامنية بالفجور وينطلق الى التنظير العسكري لتحديد كيفية تنفيذ المهمة، وما يجب وما لا يجب، حتى يبدو وكأنه من كبار جنرالات الميدان والعسكر.
هذه هي بعض عناوين "معضلة الجيش" في لبنان؛ فالدولة اللبنانية منعت تخصيص الجيش بموازنة تمكنه من التسلح والتجهيز (موازنة الجيش للتسلح تبلغ ربع ما يدفعه لبنان لمحكمة الحريري سنويا) ومع ذلك يطلب منه ان يواجه «إسرائيل» التي تملك ما تملك من القدرات العسكرية، واكثر من ذلك نجد ان فئة من اللبنانيين خاصة جماعات "14 آذار" لا تكتفي بعدم تسليح الجيش باموال الدولة، بل انها ترفض ايضا المساعدات العسكرية المجانية وغير المشروطة التي تعرض من دول صديقة (كما رفض العرض الايراني ) لا لشيء بل فقط ارضاءً لاميركا التي تقودها. ثم تذهب هذه الجماعات اكثر من ذلك وتعمل لحرمان الجيش من الساعد الذي يعضده في عملية الدفاع عن لبنان، اي المقاومة التي اكدت فعاليتها في دفع الاحتلال ومنع تجدده. وكأني بهؤلاء يقولون للجيش: اذهب منفردا وواجه «اسرائيل» بلحمك العاري وانتحر حتى لا تغضب اميركا.
اما في الداخل وفي ما هو متعلق بمهام الجيش الدفاعية او المؤازرة الامنية، نرى ان سلوك تلك الفئة ذاتها تبدى بشكل اكثر خطورة وصفاقة، حيث ان قوى الامن الداخلي التي لا تقدر بمفردها على القيام بمتطلبات حفظ الامن في الدولة كلها، بسبب حجم المهام وطبيعة المحيط، فرضت الاستعانة بالجيش ليؤازرها. انه تعقيد ناتج كما نعلم من عدة اسباب: منها ما انتجه سلوك الفئة السياسية تلك الذي ادى الى حمل جزء كبير من اللبنانيين على الطعن بحيادية هذه القوى بعد ان انحازت في تصرفها خدمة لمصالح فئة معينة وتغليبها على المصلحة الوطنية العليا، بل وجاهر المسؤول عن تلك القوى بالانتماء لقوى "14 آذار" من دون ان يرف له جفن اوان تحرك الحكومة ساكنا لمساءلته، عملا بالقواعد العسكرية الثابتة والمتمثلة بوجوب ابتعاد العسكري عن السياسة والانحياز لطائفة اوفئة اومنطقة. ولان هذا هوحال قوى الامن الداخلي، فاننا نرى ان جماعات "14 آذار" مرتاحة جدا لاداء تلك القوى في المنطقة الشمالية الشرقية حتى تفاقم الوضع وأخرج الاصوات اعتراضا عليه.
ان جماعات "14 آذار" وفي طليعتها "تيار المستقبل الحريري" تريد من الجيش ان يكون لها كما هوحال قوى الامن الداخلي ومديرها العام، وان يقوم بمهامه خدمة لاغراضها السياسية فتمدحه عندها كما فعلت في الاسابيع التي تلت مقتل رفيق الحريري، حيث قدمت له الورود عندما سهَّل لها التحشد والاعتصام في الساحات ضد السلطة السياسية يومها، ثم تنقلب عليه موجهة الانتقاد والتجريح له احيانا، اذا عمل بالذهنية نفسها وجاءت نتائج اعماله لغير مصلحتها. تقوم بذلك لانها لا تتقبل فكرة "مؤسسة للوطن" فهي تعتنق عقيدة الاستئثار التي رُسِّخَتْ عند التيار الحريري – الاستئثار بالدولة ومؤسساتها – عقيدةً شجعت عليها نصوص الطائف التي مكنت رئيس الوزراء – المفترض حسب اعتقادهم ان يبقى من تيار المستقبل الى الابد – من تدعيم موقعه وجعلت منه الركن الاساس في السلطة الفعلية في لبنان إذ يخضع كل شيء في الحكومة لمشيئته فيمرر ما يريد ويقطع الطريق على ما يرفض، فهو الرئيس الفرد الذي يجب ألا يناقش.
بهذه الذهنية تصرف «الحريريون» وملحقاتهم حيال تنفيذ الجيش لمهام وطنية في منطقة (بين عرسال ووادي خالد) تحولت الى منطقة تحشد وتجهيز، وتدريب جماعات تعبر الحدود اللبنانية لضرب الاستقرار والامن في سورية، وكان غضبهم عندما نفذ مهامه بدقة واحتراف عاليين ووضع يده على الارض بما يحد من التسلل ويخرق القانون والاتفاقيات. نفذها دون ان يضيق على مواطن او يمس حرية بريء، بل جل ما فعله كان القيام بخطوة ضرورية لاسقاط الصفة التي الصقت بتلك المنطقة ومنع استمرارها قاعدة لنمو الارهاب وتهديد الامن اللبناني والسوري.
لقد قامت قيامة ذاك الفريق ضد نجاح الجيش في عمله وهاجمه بعد هجومه المفتئت على وزير الدفاع لانه وصف الواقع على حقيقته، فجاء هجومه اليوم واعتراضه بمثابة عناوين ملفقة من قبيل "استهداف الاهالي" و"استهداف المنطقة لانها من طائفة معينة " و"خدمة النظام الامني السوري". والابشع من كل ذلك هو القول: "إن انتشار الجيش يشكل حساسية". (للتذكير فقط ان الجيش عندما ذهب الى الجنوب وانتشر في قراه واقام الحواجز قوبل بالزغاريد والورود) قول يستنتج منه انهم ينظرون الى الجيش كما لو كان جيش احتلال اجنبي، ثم يتجرأ بعضهم على تحديد اصول العمل الميداني للجيش كما لو كان قائده العسكري، ولما لم ينفع كل هذا الفجور في ثني الجيش عن مهمته الوطنية افتعلوا اشتباكات طرابلس لجرّه الى المدينة وإبعاده عن الحدود.
ها هو سلوك دعاة العبور الى الدولة لفظا، والعاملين لعبور المؤمرات الى المنطقة والقضاء على الدولة حقيقة، يستهدفون الجيش تشنيعا وارباكاً (وهو العمود الفقري للدولة) لمنعه من اداء واجباته حماية للدولة وتعهداتها، وينخرطون في خطة التآمر على المنطقة من البوابة السورية، ويشرّعون الابواب للارهاب المتسلل الى سورية من لبنان. فهل سينجحون في خطتهم؟ وهل يخضع صاحب القرار السياسي لفجورهم ويأمر الجيش بالانكفاء ليسهل لهم القيام بالتزاماتهم في تنفيذ المؤامرة؟
نقول هذا لأن الجيش يعمل بإمرة السلطة السياسية التي تتمثل بمجلس الوزراء وفقا للدستور دون اغفال الدور المحوري لرئيس الوزراء حسب التعامل وهنا نرى ان على هذا المجلس مجتمعا ان يحسب الامور بدقة لمصلحة لبنان والتزاماته وحذار الخطأ… لان مفاعيله وتداعيته لن تنحصر في منطقة جغرافية او فترة زمنية فلبنان كله يدفع الثمن.

  

السابق
نصر الله لم يكن يعترف بإيرانيته!
التالي
سوريا لن تستفيد.. لكن روسيا إلى أين..؟