نقاش مع السيد

عندما يوجه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الشكر تلو الشكر الى إيران على دعمها، ويقدم في خطابه الأخير تفاصيل غير مسبوقة عن ذلك الدعم وأشكاله المتعددة، فإنه يعبر عن وفاء صادق ونزاهة ثابتة، لا تلغي الحاجة الى نقاش واقعي هادئ في ذلك الموقف الأخلاقي الذي يمثل جوهر «السياسة الخارجية» للحزب ومحورها المركزي.
الشكر لإيران واجب ومستحق. تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي من دون قيد او شرط، لم يكن صدفة ولا كان مجرد حدث عابر في التاريخ العربي والإسلامي. لكن الشكر واجب ومستحق اكثر للجنوبيين والشيعة اللبنانيين عموماً الذين قدموا التضحيات الجسام وخاضوا المواجهة المباشرة مع العدو.. التي وفرت لإيران ولا تزال، فرصة تاريخية أيضاً لكي تصبح قوة إقليمية لا يستهان بها، يمتد دورها ونفوذها الى شواطئ البحر المتوسط، للمرة الأولى من زمن قورش العظيم.
بالطبع لا تتردد طهران في التعبير (المتعدد الأشكال) عن تقديرها للبيئة الشيعية اللبنانية التي تتخطى فكرة الأداة الإيرانية، وتختزل وحدها من دون سواها من البيئات الشيعية العربية في العراق والبحرين والسعودية.. الكثير من القيم والمفاهيم الأيديولوجية والفقهية والسياسية للدولة الإسلامية، اكثر مما تمنحها مساحة مهمة من جبهة الصراع مع العدو الإسرائيلي.

ما قاله السيد نصر الله في خطابه حول الحاجة الى التفكير في طبيعة الرد على أي حرب، مستبعدة فعلاً، على إيران، يتسق مع المنطق القائل إن طهران لا تملي على الحزب سلوكه وموقفه.. لكنه يجافي الواقع المعروف والمنشور عن خطط الحرب الأميركية والإسرائيلية التي تبدأ من الجنوب اللبناني في طريقها الى قم وأصفهان، وتستكمل تجربة عام 2006 ، عندما طلبت أميركا من إسرائيل المضي قدماً في الحرب التدميرية على شيعة لبنان تحديداً لمعاقبة القيادة الإيرانية على رفضها عرض الحوافز، الذي تلقته في حزيران من ذلك العام، مقابل التخلي عن برنامجها النووي.

هي علاقة تبادل وتفاعل وتكافؤ، تختلف عن العلاقة التي يقيمها الحزب مع النظام السوري على سبيل المثال. وهنا مجال لنقاش أوسع وأعمق، يفترض قدراً إضافياً من الموضوعية، التي لا تنكر الأزمة في سوريا، ولا تنفي المذبحة في حمص ولا الانشقاق في الجيش ولا حتى قياس الموالاة والمعارضة، ولا تسلم بالمؤامرة الخارجية ولا تستعدي جزءاً من الجمهور السوري، بما يؤدي بالضرورة الى التزام الحياد الصارم الذي يحمي الشيعة من خطر داهم ويحمي لبنان من تهديد دائم.
ما قدمته إيران للشيعة اللبنانيين ليس ديناً في أعناقهم، هو مثله مثل ما قدمه عرب كثيرون، من اجل الطائفة ومن اجل لبنان، ومن دون الطموح بدور إقليمي او حتى بموقع على الجبهة مع العدو الاسرائيلي. وما تنذر به الأزمة السورية لا يمكن ان يوضع في حساب الشيعة، أو أي طائفة أخرى في لبنان. التحدي كبير وهو لا يحتمل أدنى خطأ.  

السابق
وهاب: الأسد تردد قبل اتخاذ قرار بانهاء الوجود المسلح
التالي
الرئيس أثناء لقاء هيل: لا تناقض بين عملية السلام والمصالحة الفلسطينية