السفير: فيلتمان لـ14 آذار: ليحكم الإسلاميون … وليعد الحريري!

لم تنجح العاصفة التي ضربت لبنان، أمس، في غسل آثار الأزمة الحكومية ـ العمالية المتفاقمة، وجاءت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، لتزيد الطقس السياسي في لبنان سواداً، في ظل «النصائح» التي رماها في صولاته وجولاته في طول البلاد وعرضها، حتى كاد أن يحدّد للبعض موعد سقوط النظام السوري وكل المنظومة المتصلة به، وحبذا لو أن أهل السياسة في لبنان، في الأكثرية والأقلية وما بينهما، قرروا أن يتضامنوا مع رأس دولتهم، رئيس جمهوريتهم ميشال سليمان، الذي تصرف تصرفاً يليق بالمقام الذي يمثله أولاً وبتضحيات كل اللبنانيين ثانياً، برفضه استقبال فيلتمان، رداً على تصرف الأميركيين غير اللائق معه أثناء رحلته الأميركية الأخيرة.

في هذه الأثناء، بدا الاتحاد العمالي العام، نسخة منقحة عن مساومات وصفقات أهل السياسة، عندما وافق «سراً» على «صيغة الأجور» الجديدة، أمس الأول، بالتواطؤ مع أهل السلطة والهيئات الاقتصادية، طالباً ترك هامش له، بأن يعلن رفضه لها إعلامياً، فيما كان بعض أهل الحكومة ينقلبون، في اليوم التالي، على حبر تصويتهم، بإعلانهم رفضهم لقرارات مجلس الوزراء «المخيّبة للآمال والمجحفة بحق اللبنانيين»، وانضمامهم، وتحديداً «حزب الله»، الى الدعوة التي أطلقتها هيئة التنسيق النقابية والحزب الشيوعي و«التيار الوطني الحر» للإضراب والتظاهر يوم الخميس المقبل!

وفي هذا السياق، من المنتظر أن يشهد مجلس الوزراء اليوم، اختباراً جديداً للاشتباك المستمر بين رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون وبين بعض مكونات الحكومة سواء من الحلفاء ام غير الحلفاء.
وتوّج الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان، زيارته لبيروت، أمس، باجتماع موسع عقده مع قيادات قوى الرابع عشر من آذار في بيت الرئيس سعد الحريري في وادي أبو جميل، بحضور السفيرة الأميركية مورا كونيللي، «وتناول اللقاء الذي تخللته مأدبة عشاء، تبادل الآراء حول المستجدات الإقليمية والدولية»، حسب المكتب الإعلامي للحريري.
 
وأدرجت السفارة الأميركية زيارة فيلتمان تحت عنوان سياسي سوري، ومن هنا جاءت لقاءاته امس، مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري، البطريرك الماروني بشارة الراعي، الكاردينال نصرالله صفير، النائب وليد جنبلاط، قائد الجيش العماد جان قهوجي، مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي، بعدما كان قد التقى، أمس الأول الرئيس نجيب ميقاتي والنائب السابق نسيب لحود وأحد مؤسسي لقاء قرنة شهوان ميشال الخوري.
واذا كان عنوان زيارة فيلتمان الى قهوجي على علاقة بالجيش والمساعدات التي تقدمها الادارة الاميركية لهذه المؤسسة، كما عنوان زيارته للواء ريفي بمسائل متصلة بالتجهيز والتدريب والمساعدات لقوى الامن الداخلي، فإنه طرح اسئلة حول الوضع الأمني، منطلقاً من الجنوب ومركزاً على منطقة الشمال وصولاً الى الحدود اللبنانية السورية والاجراءات المتخذة سواء من قبل الجيش ام قوى الامن الداخلي في تلك المنطقة.
واستوضح عدد من قياديي 14 آذار فيلتمان حقيقة ما يجري في سوريا، ومصير النظام السوري، بالإضافة الى الوضع في لبنان والموقف الاميركي من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والاولويات اللبنانية للادارة الاميركية في هذه المرحلة، بالاضافة الى مرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي من العراق.
وقدم فيلتمان قراءة اميركية للوضع السوري، متحدثاً عن حتمية سقوط النظام السوري ورحيل الرئيس بشار الاسد، مكرراً كلام وزيرة الخارجية الأميركية حول صعوبة استصدار قرار دولي في مجلس الأمن حول المنطقة العازلة أو الممر الانساني الذي ينادي به الفرنسيون.
وبدا فيلتمان صريحاً سواء في الاجتماع بقيادات المعارضة، أم في اللقاء مع البطريرك الراعي، بقوله إن الادارة الاميركية لا تمانع في ان يتسلم الاسلاميون الحكم في سوريا أو غيرها من دول «الربيع العربي» اذا جاؤوا باعتماد الاسس الديموقراطية.
واما في الشأن الداخلي، فبدا واضحاً أن الادارة الأميركية أرادت أن تسجل للرئيس نجيب ميقاتي نقطة ايجابية في سجله، ربطاً بقراره تمويل المحكمة الدولية، ورفض فيلتمان إعطاء زيارته لميقاتي أكثر من حجمها وقال لقيادات 14 آذار إنه يحبذ أن يستعيد زعيم تيار المستقبل سعد الحريري حضوره في لبنان في أقرب فرصة ممكنة.
وتوقفت مصادر متابعة عند اللقاء بين فيلتمان والبطريرك الراعي في بكركي، وأحاطته بتساؤلات خاصة أن الادارة الاميركية كانت قد تعاطت مع البطريرك الماروني بما لا يليق به خلال زيارته الأخيرة الى الولايات المتحدة، ورفضت تحديد أي اجتماع له مع أي مسؤول أميركي، وذلك على خلفية المواقف التي أدلى بها الراعي سواء حول سلاح «حزب الله»، ام تحذيره من الانعكاسات الخطيرة التي سيرخيها الحدث السوري على لبنان، وعلى الأقليات المسيحية في المشرق بشكل خاص.
وعكس بيان السفارة الاميركية ان الهدف من لقاء البطريرك، هو محاولة تغيير نظرته، من خلال حثه على دعم الجهود الدولية والإقليمية لوضع حد لما وصفها «وحشية النظام السوري ضد الشعب السوري»، معرباً عن يقينه «بأن الاسد فقد شرعيته للقيادة وبان افضل وسيلة لوضع حد للوحشية هو تنحيه عن الحكم».
وفيما قالت أوساط الرئيس بري إن حيزاً كبيراً من اللقاء بينه وبين فيلتمان تمحور حول الأوضاع في سوريا وإن «وجهات النظر كانت متباعدة بينهما»، اكد جنبلاط خلال اللقاء مع فيلتمان على «اهمية الحوار الداخلي اللبناني كسبيل وحيد لمعالجة المسائل الخلافية والخروج من المأزق الراهن»، مشدداً على «ضرورة الحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي بعيداً عن التوتر والتشنج».
من جهة ثانية، تفاعل قرار الحكومة بزيادة الاجور، بعد الرفض العمالي والنقابي له، حيث قررت هيئة التنسيق النقابية تنفيذ إضراب عام والتظاهر الخميس المقبل في الخامس عشر من الجاري، في جميع الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة وفي معاهد ومدارس التعليم المهني والتقني وفي الإدارات العامة. وكانت لافتة للانتباه مسارعة «حزب الله» الى تأييد الإضراب، عبر بيان صادر عن «التعبئة التربوية المركزية» في الحزب التي دعت الأساتذة والمعلّمين كافة إلى «المشاركة الفعّالة في هذه الخطوات». كما أصدرت وحدة النقابات والعمّال المركزية في «حزب الله» بياناً اعتبرت فيه أن قرار مجلس الوزراء «قرار مسيء ومجحف لا يعكس أية جديّة»، وأعلنت رفض الحزب للقرار وتضامنه مع المطالب العمّالية.
وفيما لم يخف أصحاب العمل سرورهم بقرار الزيادة، وصفته هيئة التنسيق النقابية بالهزيل والمذل. وقال رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن لـ«السفير» إن المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي سينعقد اليوم، للدعوة الى التظاهر والاضراب ربما الاثنين او الثلاثاء، ولوضع آليات التحرك ومواعيده واشكاله!
اضاف: إن القرار الصادر عن الحكومة، جاء اكثر غبناً من القرار السابق، وسيعلن المجلس التنفيذي الموقف، خاصة أن هذا القرار ادخل العمال في مأزق اجتماعي اضافي، بعد الزيادات وفلتان الاسعار، ونحن سنتجه الى إعلان الموقف بالاضراب والتظاهر.
الى ذلك، اعرب وزير العمل شربل نحاس عن استيائه البالغ من قرار الحكومة، متمنياً لو ان وزراء حركة «امل» و«حزب الله» الذين صوتوا الى جانب قانون ميقاتي اتخذوا موقفاً مغايراً، خصوصاً أنهم أبدوا تأييدهم لمشروعه. وقال نحاس لـ«السفير»: عملياً انفرزت الاصوات، ونحن أصرينا على التصويت لكي تتوضح كل الصورة ولكي يتحمّل كل طرف مسؤولياته.
ورداً على سؤال قال نحاس: بعد صدور القرار صار الجميع، الناس والنقابات تحديداً أمام امتحان. يفترض أن ينجحوا فيه.
وحول إعداد مرسوم زيادة الأجور، قال: هناك آلية تعتمد في هذا الامر، وسأقوم بإعداد المرسوم عندما أتبلغ القرار، وحتى الآن لم أتبلغه، ولا أستطيع ان احدد متى سيتم ذلك وكيف، خاصة أن القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء المتعلق بالأجور، هو قرار «مفركش» الى حد قد يستغرقون فترة طويلة ليعرفوا كيف يصوغونه.
وعن المشاركة في جلسة مجلس الوزراء المقررة في السرايا الحكومية اليوم، قال نحاس: لم نبت بهذا الأمر بعد، وكل شيء في حينه.  

السابق
النهار: الأجور تبرز أزمة بين عون والحلف الخماسي وفيلتمان في بكركي والوسط: الارتدادات السورية
التالي
اسارتا مكرما من بلدية الرمادية