سورية أوّلاً بعد فوات الأوان!

هل طرح شعار «سورية أوّلا» يقدّم أو يؤخّر هذه الأيام؟ جاء الطرح عن طريق أوساط تابعة للنظام، جاء متأخرا، بل متأخرا جدا. لم يعد يفيد النظام اللجوء إلى مثل هذا النوع من الشعارات الذي كان يمكن أن يعني الكثير في مرحلة معينة كان يتوجب فيها على النظام الاهتمام بالشأن الداخلي بدل متابعة عملية الهروب إلى الأمام المستمرة منذ ما يزيد على أربعة عقود.
على الرغم من ذلك، يبقى مثل هذا الطرح مفيدا نظرا إلى أنه يكشف مدى تدهور أوضاع النظام الذي لم يعد من مجال لإنقاذه إلاّ في مخيلة بعض المرضى من السياسيين اللبنانيين من طراز النائب المسيحي ميشال عون الاختصاصي في التحالف مع كلّ من يريد الشرّ والأذى للبنان واللبنانيين.

هؤلاء السياسيون، وهم في الواقع اشباه سياسيين، لا يدركون أن المسألة مسألة أسابيع أو اشهر ليس إلاّ قبل أن تعود سورية إلى السوريين… أوّلا!
كان مهمّا طرح شعار «سورية أوّلا»، عن طريق صحيفة تابعة للنظام تصدر في دمشق وليس في مكان آخر نظرا إلى أنه يعني الكثير في مرحلة ما ستعود سورية فيها إلى كنف العروبة الحضارية. انها سورية التي ستسعى إلى تجاوز مشاكلها الداخلية ومشاكل شعبها الابي الذي يعرف ما هي طبيعة النظام القائم منذ وصول «البعث» إلى السلطة في العام 1963 ثم انتقالها تدريجيا إلى حكم الطائفة، ثم حكم العائلة الواحدة ابتداء من العام 1970.
إن هذا الشعب الذي ينفّذ أمّ الثورات العربية، وربّما أشرف ثورة في التاريخ العربي القديم والحديث، إنّما يعرف معنى شعار «سورية أوّلا». إنه يعني قبل كلّ شيء التوقف عن التلطي بالشعارات من نوع «المقاومة» و«الممانعة»، وهي شعارات لم تعد سوى بالويلات على السوريين قبل غيرهم.

يعاني هذا الشعار في طبيعة الحال الاهتمام بالسوريين وبتنمية ثروات سورية بدل نهبها. ويعني أيضا وقف المتاجرة بقضايا العرب والتوقف عن لعب دور الجسر الإيراني البديل المستخدم في اختراق كلّ منطقة عربية، بما في ذلك دول الخليج التي عانت كلّها من مؤامرات إيرانية. كانت سورية منطلقا لهذه المؤامرات وذلك بغرض التمويه على العمليات التي تنفّذ انطلاقا من الأراضي الإيرانية وتستهدف هذا البلد العربي أو ذاك.
إضافة إلى ذلك، يعني اعتماد هذا الشعار التوقف عن المتاجرة أيضا باللبنانيين والفلسطينيين. إنها تجارة يمارسها نظام ليس قادرا لا على الحرب ولا على السلام. لا همّ للنظام سوى ممارسة لعبة الابتزاز بدل الانصراف إلى معالجة المشاكل الحقيقية التي يعني منها الوطن والمواطن والتي جعلت مليون عامل سوري، إذا لم يكن أكثر، يعملون في لبنان بدل أن يكون هناك مليون عامل لبناني أو أردني يعملون في سورية.لو قُدّر للنظام السوري الاعتراف، قبل اندلاع الثورة، بأنّ شعار «سورية أوّلا» كان يمكن أن يشكل بالنسبة إليه طريق الخلاص بدل اعتماد سياسة إلغاء الآخر، لما كان وزير الخارجية السوري السيّد وليد المعلّم مضطرا للشكوى من تهريب السلاح إلى سورية. كذلك، لم يكن مضطرا للجوء إلى التزوير في محاولته إثبات أن هناك «إرهابيين» في سورية. فطوال ما يزيد على أربعة عقود، لم يكن لدى النظام السوري من همّ سوى تهريب السلاح إلى دول الجوار، خصوصا إلى لبنان. من أين كانت تأتي الأسلحة التي حصل عليها الفلسطينيون في لبنان؟ من أين مصدر أسلحة الميليشيات التي تصدّت في البداية للوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان. ألم تكن الأراضي السورية، مصدر معظم هذه الأسلحة حتى لا نقول كلّها، طوال سنوات وسنوات؟
لا حاجة إلى البحث عن الاسباب التي دعت النظام السوري في كلّ ساعة إلى التفكير في كيفية الاعتداء على جيرانه العرب وغير العرب. ألم يقاوم دائما فكرة ترسيم حدوده مع الأردن؟ ألم يدرج لواء الاسكندرون في خرائط الكتب المدرسية طوال عقود عدة… إلى أن جاء يوم اكتشف فيه أن عليه الاستسلام للشروط التركية، بما في ذلك التنازل نهائيا عن «اللواء السليب» نتيجة اكتشافه أن أكراد عبدالله اوجلان لم يعودوا ورقة بمقدار ما صاروا عبئا عليه؟

لا حاجة طبعا، إلى الحديث عن ضرورة ترسيم الحدود مع لبنان. كلّ ما يمكن قوله في هذا المجال ان الحدود بين البلدين كان يمكن أن تشكل منطقة تسمح بتعاون نموذجي في مجالات عدّة بين بلدين عربيين شقيقين. ما حصل بدل ذلك، ان مناطق الحدود تحولت معبرا لمسلّحين فلسطينيين وغير فلسطينيين تابعين للأجهزة السورية أقاموا قواعد في الأراضي اللبنانية وحوّلوها مقرّا لهم. هل من هدف لهذه القواعد سوى الإساءة إلى لبنان واللبنانيين والقضية الفلسطينية في طبيعة الحال؟
لو طُبّق شعار «سورية أوّلا» باكرا، لكان النظام أيقن أن دعم ميليشيا مذهبية اسمها «حزب الله» الإيراني بالسلاح وكلّ أنواع التسهيلات في لبنان لا يتفق في أي شكل مع ما يدعيه مسؤولون سوريون عن تجاوز سورية الانقسامات الطائفية والمذهبية. من يصدّر السلاح لدعم المذهبية، لا يعود للأسف الشديد في منأى عن أخطار المذهبية والسلاح معا!

لا يمكن لنظام أن يكون ضدّ «الإخوان المسلمين» في سورية ومعهم خارجها، كما الحال مع «حماس» التي تشكّل أفضل تعبير عن الانتهازية السياسية. لم تتورّع «حماس» وهي من «الإخوان» عن ممارسة هذه الانتهازية مع النظام السوري نفسه بعدما اكتشفت أنه هالك لا محالة…
أخيرا وليس آخرا، لو اعتمد النظام السوري شعار «سورية أوّلا»، لما كان مضطرا لأن يكون شريكا في اغتيال أفضل اللبنانيين وأكثرهم رقيّا. هؤلاء، على رأسهم رفيق الحريري ورفاقه، وصولا إلى بيار أمين الجميّل، مرورا بباسل فليحان، وسمير قصير، وجورج حاوي، وجبران تويني، ووليد عيدو، وانطوان غانم، هم من العرب الشرفاء حقّا الذين كان همّهم الأوّل محصورا بمساعدة سورية على الانتماء إلى العالم المتحضر والمحافظة على عروبتها…
المؤسف أن إطلاق شعار «سورية أوّلا» جاء بعد فوات الأوان. لم تعد المسألة مسألة شعارات تطلق من هنا أو هناك، شعارات كان النظام السوري يستخدمها في الأمس القريب في «تخوين» الآخرين الرافضين لسياسته القائمة على الابتزاز ليس إلاّ من جهة، وتحويله البلد مجرد تابع للنظام الإيراني من جهة أخرى. ما هو مطروح حاليا: أي سورية بعد رحيل النظام؟ وهل يمكن حماية سورية مستقبلا من دون شعار «سورية أوّلا»؟ إنه شعار للمستقبل وليس لنظام ينتمي إلى الماضي.
 

السابق
المواقف الدولية باتت تستند إلى الإجماع العربي
التالي
حماس والنظام الأسدي