المواقف الدولية باتت تستند إلى الإجماع العربي

على رغم احتلال الواجهة الديبلوماسية والإعلامية في الموضوع السوري الاخذ والرد بين النظام السوري والجامعة العربية حول مبادرتها من اجل انهاء العنف في سوريا، فان التعويل الاساسي يستند الى مدى التأثير الروسي في اقناع النظام بقبول هذه المبادرة او اعداد مبادرة اخرى يتم عبرها تأمين التوافق الدولي حول بديل من الرئيس السوري بشار الاسد. فهذه النقطة الاخيرة هي التي يتم العمل عليها في الواقع في المرحلة الثانية. اذ انه لا امل كبيرا من تطبيق الاسد المبادرة العربية حتى لو قبلها مجددا ورضي بالتوقيع على البروتوكول الذي اعدته الجامعة ما لم يكن ذلك يندرج في اطار كسب الوقت، وفق اعتقاد مراقبين ديبلوماسيين. لكن ما بات مسلما به وفق مصادر ديبلوماسية معنية يندرج وفق الآتي:

– ان لا عمل عسكريا من اي نوع او حجم ضد النظام السوري. فهذا الامر ليس مطروحا على الطاولة وليس واردا حتى في معرض الضغط على النظام من اجل القبول بوقف العنف، اقله في المرحلة الراهنة وفي انتظار بلورة نتائج الاجراءات التي تم اتخاذها وهو لم يستخدم في اي لحظة من باب التهديد كما يحصل بالنسبة الى ايران مثلا حين يقول المسؤولون الاميركيون ان كل الخيارات موضوعة على الطاولة ايحاء بان العمل العسكري قد يرد في وقت ما على رغم استبعاده من الادارة الاميركية واعتمادها في شكل اساسي على الضغوط الديبلوماسية والاقتصادية والعقوبات في المجالين معا والتي باتت تساهم، وفق المصادر المعنية، في ازدياد عزلة ايران وجعلها بمثابة "دولة مارقة" خصوصا بعد الاعتداء على سفارة بريطانيا في طهران الذي ادى الى رد فعل دولي ديبلوماسي يلحق الضرر الكبير بالسلطات الايرانية في هذه المرحلة. كما ان الامر ليس مطروحا حتى من خلال اقامة ملاذ آمن على الحدود مع تركيا على رغم وروده كاحتمال في اوقات متفاوتة. والدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة تتجنب الخيار العسكري في المنطقة بعد انسحابها من العراق على رغم انها تبقي ما يقارب 40 الف جندي في المنطقة من اجل المحافظة على مصالحها الحيوية فيها.

– ان هناك مجالا متاحا الى حد كبير لان تلعب روسيا ، كونها الدولة الوحيدة التي تدعم النظام السوري، دورا في هذا الاطار وفق ما كان اعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن المبادرة اليمنية التي اعرب عن امله ان تنطبق على سوريا ايضا موحيا بان بنودها الاساسية قد تكون محور ما يتم العمل عليه. وهو الامر الذي يعتقد انه يجري العمل عليه بعيدا من الاضواء والاعلام حول كيفية تأمين توافق اقليمي ودولي على بديل من القيادة السورية الحالية. ولا تبدي هذه المصادر قلقا من استقدام روسيا قطعاً عسكرية بحرية الى البحر المتوسط وعلى تماس مع الشواطىء السورية باعتبار ان هناك وجوداً لاساطيل اخرى في المنطقة ايضا لاسباب تتصل بالقلق الذي يساور الدول الكبرى من التحولات الجذرية في المنطقة ومحاولة مواكبتها باجراءات احترازية وليس للتدخل العسكري وفق ما تخوف البعض. لكن قد يكون للاساطيل الروسية مفعول ابقاء الدعم الروسي قائما ومعبرا عنه بالنسبة الى النظام بما يبقي الكفة متوازنة في اي تسوية محتملة.
وفي الوقت نفسه فان الغرب يعول بقوة على امرين مهمين: الاول ان هناك موقفا دوليا بدأ يتبلور اكثر فاكثر ضد النظام في دمشق وفق ما برز في مواقف بعض الدول في لجنة حقوق الانسان والتي كانت عارضت في اوقات سابقة اي قرارات اجرائية ضد دمشق في حين ان هذه الدول كالبرازيل مثلا والهند وجنوب افريقيا باتت تظهر تغييرات في موقفها ان بالتصويت مع هذه القرارات او بالامتناع وليس بالاعتراض. الامر الذي يساهم في نضوج المواقف الدولية بما فيها الصين التي تبدو اكثر استعدادا للامتناع في اي قرار منها الى استخدام الفيتو مجددا.

والامر الآخر ان المواقف الدولية تستند بدورها الى الاجماع العربي الذي تكون ازاء موقف النظام في دمشق والذي يساهم في شكل اساسي في زيادة عزلته خصوصا في ضوء الاجراءات المعلنة الاخيرة التي تقيد حركة اركان النظام وتدفعهم الى التفكير بالمخاطر على مصالحهم في ظل استمرار الحال على ما هي. فهذه الاجراءات التي اتخذتها الدول العربية معطوفة على اجراءات الدول الغربية ستترك لكي تفعل فعلها في التأثير على النظام واركانه مع مواصلة الضغوط السياسية والديبلوماسية من دون استبعاد احتمال اعداد مشروع قرار جديد امام مجلس الامن لن يكون في استطاعة الروس استخدام الفيتو لمعارضته بسبب الموقف العربي، خصوصا في حال لم توقع دمشق على بروتوكول التعاون مع المبادرة العربية او لم تنفذها. وتقول هذه المصادر انه ينبغي اعطاء كل هذه الاجراءات الوقت الكافي قبل اي خطوات اخرى خصوصا ان استمرار سقوط القتلى على نحو يومي سيؤدي الى توافق دولي اكبر على كل الاجراءات اللاحقة ايا تكن طبيعتها. الامر الذي يعني ان ثمة رهانا على عامل الوقت في المقلب الآخر لرهان النظام السوري على هذا العامل ايضا وامكان الاستفادة من تطورات بعد الانسحاب الاميركي من العراق، وفق ما يعتقد البعض.  

السابق
صناعة المراكب الخشبية إلى اندثار
التالي
سورية أوّلاً بعد فوات الأوان!