حماس والنظام الأسدي

كان النظام الأسدي، يتكئ على وضعية وجود «حماس» في سورية، لكي يشحن بطارية الكلام الفارغ المسترسل، عن طبيعته المقاومة. وفي ظل هذا الكلام، ظلت جبهة الجولان، أهدأ من جبهة قلقيلية وسواها في الضفة، وحجته في إخراسها، وهو المدجج بالسلاح والمتوافر على أنساق نيران دفاعية؛ ظلت أضعف من حجة سلطة الحكم الذاتي المحدود للاستنكاف عن المقاومة بالنيران. على الرغم من ذلك، حظي هذا النظام، بإعجاب «حماس» وبامتنانها، علماً بأن صمت الجبهة لا يتم بغير تنسيق إجرائي مع إسرائيل، في أقل الافتراضات، وعلماً أن الحركة الوطنية الفلسطينية، مع انطلاقة انتفاضة الأقصى الطويلة الثانية ساعدت «حماس» على كل صعيد، بأضعاف ما ساعدها الأسديون. فلماذا يلقى المناضلون الفلسطينيون منها، التخوين والانقلاب، بينما الأسديون ينالون المديح والمساندة، حتى وهم يقتلون شعبهم؟

مفارقة جارحة حقاً، نربأ بأي فلسطيني أن يقع فيها، ناهيك عن حركة كبيرة كـ «حماس» تزهو برمزياتها الإسلامية، إذ تصحو وتنام على نصوص الشرع وضوابطه، والتشكي من الاستبداد وأفاعيله، والإعلاء من شأن الحرية وموجباتها، ومقاومة المحتلين ودواعيها العاجلة!معنى الموقف الحمساوي الراهن، أن هذه الحركة لو كانت تمثل الفلسطينيين في جامعة الدول العربية وأمام العالم، لوقفت مع الفتية الحاكمين في دمشق، ضد شعبنا العربي السوري. وهذا موقف لا يليق بحركة تحرر إسلامية، فما بالنا بحركة تحرر «إخوانية» لا تزال شقيقتها السورية «الإخوانية» تنزف مع شعبها، فيما السوريون يخوضون صراعاً ضارياً مع النظام، لكي تنعتق بلادهم، ويطلع نهارها بعد طول ظلام، وبعد مسلسلات طويلة ولما تزل، من المجازر على مر عقود.

من قلب فكرة الوفاق، يرفض واحدنا، وكذلك الوعي الجمعي الفلسطيني، هكذا موقف لا يمكن تبريره بذرائع إدارية. فحركة «حماس» ليست مثل سواها، صنيعة صغيرة، حيكت في قبو مخابرات. هي حركة منتشرة فلسطينياً تغذت من مظلوميات «الإخوان» في كل مكان، وزادها قوة مبدأ اللجوء الى السلاح فوراً، رداً على اقترافات الاحتلال، وهذا يناقض طبيعة الحكم الأسدي موقفاً وسلوكاً. ويعرف الفلسطينيون مثلما يعرف السوريون، ان كل عناصر الترهيب المتداولة عبر إعلام النظام الأسدي، كالخشية من حرب أهلية، أو من صراع طائفي، أو من تقسيم للبلاد، أو من ارتهان للمستعمرين، كلها كوارث لا يعمل على جلبها إلا هذا النظام، بإصراره على عدم الاعتراف بالشعب. فقد كان بشار قادراً على الإقرار بحق السوريين في دستور عصري ديمقراطي، وبقانون انتخاب عادل وشفاف، وبجهاز قضائي محايد، لأفلح من حيث ينبغي أن يخيب. فلو أقر بهذا الحق، وخاض انتخابات على رأس حزبه، كان سيستمر، بشفاعة مأثرته هذه التي سيرد له السوريون بعدها التحية بأحسن منها ديمقراطياً. اختار تشغيل آلة القتل، ونكران الناس، ومحادثة نفسه كمن يلعب النرد مع الشيطان، فيعطيه الحجارة السوداء، لتصبح المسألة عنده، وكأن نظاماً بات جميلاً كالعصفور البريء، ينوي الإصلاح بعد دهر من البطش والخراب، لكنه فوجئ بغربان الشوم والشر، التي نزلت لكي تعطل نواميس الحياة والحب والدعة!
مخطئة «حماس» في موقفها، ومخطئة في نفيها الصارم لتقارير تحدثت عن مغادرتها سورية. فالمكوث لن يفيدها، والأجدر أن «تخلع» من الموقف، ومن المكان، ومن مربع المفارقات الجارحة!  

السابق
سورية أوّلاً بعد فوات الأوان!
التالي
دمشق توافق بشروط على بروتوكول المراقبين.. والجامعة العربية تتّجه نحو الرفض