الجميل: لندع السوريين يقررون لبلادهم

تميز الرئيس أمين الجميل بين الزعماء المسيحيين في لبنان بأنه الوحيد الذي زار مصر عقب الثورة التي اطاحت الرئيس المخلوع حسني مبارك، وعقب المجزرة التي تعرض لها الاقباط وسط القاهرة. كما ان الجميل هو الزعيم اللبناني المسيحي الوحيد الذي سافر الى تركيا "المتهمة بادارة الثورات العربية وتوجيهها" حيث التقى قياداتها واستمع الى رأيها في ما يجري مباشرة من غير اعتماد على تحليلات وتقارير اعلامية، وهو يخوض مناقشات مع "الثائرين العرب" لمحاولة استشراف مقاصدهم وغاياتهم وما يرمون اليه، خصوصاً في الشأن السوري الذي يعتبره مميزاً وشبيهاً بالوضع اللبناني وحساسياته المجتمعية والطائفية الدقيقة. وفي حين يقر الرئيس الجميل بأن مواقف الكتائب غير المنحازة والمتوازنة في مقاربة ما يجري "غير شعبية" يجزم "ان هذا هو الموقف الصحيح المطلوب وستثبت الايام صحته".

يميز رئيس الكتائب في مقاربته ما يجري بين المبدأ والواقع، ففي المبدأ يقول انه "لا يمكن المرء الا التضامن مع كل حركة شعبية تنادي بالحرية والديموقراطية والمشاركة في صنع القرار، وتالياً لا يمكن الكتائب الا ان تؤيد هذه الحركة الواسعة التي ترفع شعارات التغيير في مواجهة الديكتاتوريات والانظمة التعسفية والتي كان لا بد من ان تنفجر يوماً". وهو ينطلق في قراءته لما يجري من واقعتين، الاولى السعي الدائم والمتواصل الى تجنب خيار العنف اكان لدى الاخرين ام في لبنان، وفي رأيه ان انتقال العنف الى لبنان ستكون له نتائج وخيمة على الجميع. اما الواقعة الثانية فهي التمسك برفض تصدير العنف والسلاح الى سوريا، او اعطاء انطباع لاي كان بأن لبنان يتدخل في شؤون جيرانه مما ينعكس سلباً على مستقبل لبنان ويشكل سابقة تستخدم ضد المصلحة اللبنانية لاحقاً.
ويسجل رئيس الكتائب جملة ملاحظات اساسية تشكل العمود الفقري في تحليله لتطور الاحداث، بدايتها ان لا نظرة واحدة لدى المعارضة السورية الى المستقبل، واستطراداً يشير الى ان المعارضة السورية ليست موحدة على مستوى الاهداف التي يكتنفها الضباب في شكل او في أخر. ويضيف شارحاً: "لدى الاسلاميين في طرابلس اسبابهم الخاصة لتأييد الانتفاضة السورية، ولدى بعض اللبنانيين رغبة في تغيير النظام السوري ويريدون بديلاً على قياس رغباتهم وامانيهم. لكن الأهم ان نترك السوريين يقررون عن انفسهم وما هو الأفضل لهم مستقبلاً. وما يهمنا في الكتائب هو قيام نظام ديموقراطي يضمن حقوق كل مكونات المجتمع السوري المتنوع ويحترم وجودها وحرياتها، والجميع بالنسبة الينا مواطنون سوريون".

مكونات لا أقليات
يتجنب الجميل استخدام كلمة اقليات في سوريا، ويفضل كلمة "مكونات المجتمع السوري"، ويقول استطراداً عن وضع المسيحيين السوريين انهم مثال عن الشعب السوري الساعي الى الحرية والديموقراطية وحماية هذا التنوع. يريدون التغيير والحرية والديموقراطية لكنهم يشعرون بالقلق مما يخبئه لهم المستقبل للاسباب التي اصبحت معروفة". ويطرح الامور بتساؤل عن مدى قدرة "المجلس الوطني السوري" المعارض على وضع رؤية واضحة ومتكاملة الى مستقبل سوريا من اجل طمأنة مكونات المجتمع السوري ومن ضمنه المسيحيون الذي يصف وضعهم بأنه "قلق" على رغم رغبتهم وسعيهم المتواصل الى صياغة حلول تؤدي بسوريا الى طريق الحداثة والديموقراطية. ويشرح انه خاض في مناقشة مع عدد من قادة "الثائرين" في الدول العربية، وسمع منهم انهم حرصاء على مشاركة المسيحيين في صناعة المستقبل في هذه الدول، ولكن تبين له من خلال المناقشات ان ثمة توجهات اصولية وتناقضات بين مكونات هذه القوى، الأمر الذي يطرح علامات استفهام عدة.

"الأتراك على الارض"
وعن زيارته الأخيرة لتركيا، يشرح الرئيس الجميل انه عاد بانطباع أن الاتراك لا يطلقون شعارات في الهواء بل ينفذون ما يقولونه "على الارض"، وتالياً أن حزب العدالة والتنمية الحاكم ومن خلفه تنظيم "الاخوان المسلمين" يبذلون جهداً كبيراً للانفتاح على اوروبا والحداثة والتعددية من دون التخلي عن المنطلقات الاسلامية. ويستطرد في تحليله أن من مصلحة تركيا واهدافها الاستراتيجية قيام انظمة منسجمة مع توجهاتها هذه في سوريا والعراق، والواضح ان ثمة تكاملا بين توجهات الدول الغربية وتركيا في طريقة التعاطي والثورات على صعد مختلفة "لكن احداً لا يعلم ماذا يجري على المستوى المخابراتي، لأن تركيا لا تخفي توجهاتها المؤيدة لمسار الثورات العربية، خصوصاً في سوريا".
وفي تحليله ان الاتراك لن يقفوا مكتوفين في حال وقوع النظام السوري في الفوضى أولاً، وفي يد الاصولية المتزمتة ثانياً، لأن الفوضى والتزمت الديني مرفوضان لدى الاتراك ويتسببان بانعكاسات داخلية على الداخل التركي المتنوع كردياً وعلوياً.

البديل المؤهل للتغيير
يعتبر الجميل ان الاحداث السورية تعود في جذورها الى خمسينات القرن الفائت، عندما تراكمت الاوضاع السيئة وتفاقم الكبت والقمع واللامساواة على حساب حرية الناس ورغيف خبزهم، وكانت احداث تونس التي فتحت اعين الرأي العام العربي على ما يعانيه. وهو يشير الى ان منع قيام النخب وتعطيل الحياة السياسية ومنع قيام بدائل من الانظمة العسكرية والامنية يؤدي الى الخشية من المستقبل وصعوبة تأمين البديل المؤهل للتغيير، ويقول: "في مصر تقاليد مؤسساتية، الى حد ادنى من الحرية سمح بقيام نخب قادرة، لكن الامور مختلفة في سوريا حيث منعت سياسة القبضة الحديد التي مارسها النظام اي اطر سياسية او اجتماعية قادرة على انقاذ الاوضاع، والسؤال عما اذا كانت المساعي الجارية لتشكيل اطر قادرة على التغيير ستنجح ام لا ؟".
يعتقد الجميل أيضاً ان ايران ستسعى بكل قواها الى الحفاظ على النظام القائم في سوريا، لكن طهران في رأيه تستعد لكل الاحتمالات ومنها انهيار النظام السوري حليفها، وكذلك "حزب الله" الشبيه بالحالة الايرانية والذي يقوم الموقف جيداً ولديه حساباته واوضاعه وتقديراته لمختلف الاحتمالات.  

السابق
المبادرة العربية تمهّد لنضوج الموقف الدولي؟
التالي
حزب فاعل