هل انتهت البرودة بين حزب الله والتيار؟

في الحكومة التي يحظيان مع حلفائهما بأكثرية أعضائها، اختلف الحليفان، حزب الله والتيار الوطني الحر، على النظرة إليها. كان الحزب، خلال الأشهر الماضية، يريد إبقاءها حية، «مهما كان الثمن». في المقابل، كان التيار، ولا يزال، يفضل المعارضة على سلطة مشلولة

هل ثمة ما انكسر في الحلف «المقدس» بين التيار الوطني الحر وحزب الله؟ يُروى أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قال بعد حرب تموز 2006 إن للعماد ميشال عون دَيناً في رقابنا إلى يوم الدين. وفي حزب الله، من قيادته إلى قواعده، عاطفة وودّ تجاه عون لا يضاهيهما سوى الموقف من النائب سليمان فرنجية. في المقلب الآخر، لا يمكن من يقابل العماد عون سوى أن يلمس عنده ما يتجاوز الإعجاب بشخص نصر الله، وبتنظيم حزب الله ومقاوميه. العلاقة بين الطرفين لا تقتصر على الإعجاب. فورقة التفاهم سرعان ما تحولت عبر الممارسة السياسية إلى تحالف تام: من قانون الانتخابات إلى المجلس النيابي، ومن مشاورات تأليف الحكومات إلى الأداء في داخلها، وصولاً حتى إسقاطها. وصل الأمر بين الطرفين إلى حد أن يخوض أحدهما معارك الآخر، وأن يتحول إلى رأس حربة دفاعاً عنه.
المطلعون على شؤون العلاقة بين التيار والحزب يقولون إن هذا التحالف لم يُسقَط من المستوى السياسي إلى المستوى الشعبي. فلا نشاطات شعبية تُذكَر مشتركة أقامها الطرفان، اللذان يكتفيان بمحاضرات سياسية يشارك فيها سياسيون عونيون وآخرون من حزب الله، كل في منطقة نفوذه، لكنّ متابعين آخرين يردون على ذلك بمقولة بسيطة: فتشوا عن صور السيد نصر الله في منازل العونيين، وصور عون في منازل مؤيدي حزب الله. وإذا شئتم التدقيق أكثر، فراقبوا عدد العونيين الذين زاروا معلم مليتا السياحي.
الأمر إذاً بحسب هؤلاء أن التحالف السياسي لم يقتصر على القيادتين السياستين، بل تعداه إلى القاعدتين الشعبيتين.
لكن كل ما تقدم، لا ينفي حصول اختلاف بين الطرفين خلال الأشهر الثلاثة الماضية. والاختلاف يتمحور تحديداً حول النظرة إلى الحكومة الحالية. في الطرفين، يُجمع الوزراء والمعنيون بالشأن الحكومي على القول إن ما وصفته قوى 14 آذار بحكومة اللون الواحد تُضيع فرصة تقديم تجربة «تأسيسية تاريخية». ثمة ملفات مطروحة على مجلس الوزراء، أو ستُطرَح مستقبلاً، يمكنها إحداث تغيير جدي في الواقع السياسي والمعيشي للبلاد: من قانون الانتخابات وملفات الكهرباء والمياه والنفط إلى مكافحة الفقر وإطلاق خطة لتنمية الأرياف والمناطق المحرومة…
لكن الحكومة عاجزة عن ذلك، باعتراف الطرفين. حتى مشروع إنتاج 700 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، الذي أقر أخيراً، ليس سوى خطوة أولية من المشروع الأكبر الذي من دونه لن تُحل أزمة الكهرباء في لبنان. ومجلس الوزراء، بحسب معنيين من الطرفين، شبه مشلول. ووصل الأمر ببعض أعضاء الحكومة إلى حد التمني لو أن جلسات مجلس الوزراء تُلغى ليتمكنوا من بت ما هو متراكم في وزاراتهم من أعمال غير منجزة.

أمام هذا الواقع، حصل الاختلاف بين الحزب والتيار. فخلال الأشهر الماضية، وضع حزب الله على رأس سلم أولوياته مهمة الحفاظ على حياة الحكومة. استقالتها تعني استحالة تأليف حكومة أخرى في لبنان، مع ما يعنيه ذلك من خطر على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمالية والمعيشية، فضلاً عن الانعكاسات التي سترتبها هذه الخطوة على الأوضاع في سوريا. وعندما وصل وزراء التيار إلى حافة الاستقالة خلال عرقلة بت خطة الكهرباء الأخيرة، وضع حزب الله كل ثقله للحفاظ على الحد الأدنى من التماسك الحكومي. ولم يخفِ حزب الله، عبر وزيره محمد فنيش، امتعاضه من الأداء السياسي داخل الحكومة لوزراء التيار. وعبّر فنيش عن ذلك مرة عندما قال للوزير جبران باسيل: «حدتكم وإصراركم على الوصول إلى ما تبتغونه يذكرانني بأداء حزب الله في الثمانينات»، أي قبل أن تتغلغل الواقعية إلى عقل الحزب. باسيل لم ينظر إلى تعليق فنيش بسلبية، بل رأى فيه إطراءً، لكن ذلك لا يخفي امتعاض التيار من نظرة الحزب إلى واقع الحكومة. فالقيادة العونية تختلف مع حزب الله بشأن الأداء الوزاري. يقول سياسي عوني بارز: «رؤيتنا تتعارض مع رؤية حزب الله للحكومة. أن نكون في المعارضة أفضل بكثير من تحمل مسؤولية التمسك بسلطة مشلولة». وينتقد المسؤول ذاته أداء حزب الله الوزاري خلال بحث خطة الكهرباء. في رأيه، «حرص حزب الله على إبقاء الحكومة إلى حد تحوله من حليف لنا إلى وسيط يفاوضنا». يضيف: «نحن نتفهم الحرص على الحكومة، لكن ذلك لا يحتم تغطية أدائها السيّء». ووصل الأمر بأحد المسؤولين العونيين إلى حد القول إن التواصل مع الحزب «شبه مقطوع، ونشعر بأن قيادة حزب الله لا تطلعنا على الكثير من المفاوضات التي تجريها». كلامه هذا كان قبل أن يتيقن لاحقاً من أن حليفه لم يدخل في أي بحث مع الرئيس نجيب ميقاتي بشأن تمويل المحكمة الدولية، وهو الملف الذي استبق عون كل حلفائه وشركائه بإعلان رفعه البطاقة الحمراء في وجه حامليه.

لكن العونيين أنفسهم يؤكدون أن الخلاف مع حزب الله لا يتعدى النظرة إلى الحكومة. وبحسب هؤلاء، فإن زيارة الوزير جبران باسيل إلى السيد حسن نصر الله «أعادت وضع النقاط على الحروف». شرح كل منهما وجهة نظره، واتفقا على «تفعيل التواصل» بين الحزب والتيار. توافقا على ضرورة تفعيل العمل الحكومي: من الملفات الاجتماعية والمعيشية والسياسية، وصولاً إلى التعيينات. أضف إلى ذلك، توافقا على مبدأ رفض تمويل المحكمة الدولية.
ما تقدم لا يعني أن جليداً قد نشأ بين الحليفين، على حد قول غير مسؤول في الطرفين، بل يصفه أكثر من مصدر معني بـ«البرودة العارضة». ويوم أمس، وفي لقاء حزبي داخلي، أكد الأمين العام لحزب الله لعدد من مسؤولي الحزب، في إطار حديثه عن الأوضاع الداخلية والحلفاء، الحرص على العلاقة مع التيار الوطني الحر، وضرورة تعزيزها وتفعيلها على نحو يومي، والحفاظ عليها «كقيمة استراتيجية للبنان عامة وللمقاومة خاصة»، مشيداً بالعماد عون وبأدائه السياسي.

التيار يمول المحكمة

يقول مسؤول عوني إن التيار الوطني الحر يقبل تمويل المحكمة الدولية، شرط أن يُعاد النظر في الاتفاقية التي أقرها مجلس الأمن الدولي لإنشاء المحكمة، على أن تمر هذه الاتفاقية في القنوات الدستورية اللبنانية: رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والحكومة. يضيف: «بتلك الشروط، نحن مستعدون لتمويل المحكمة لحماية لبنان، بهدف بناء الدولة، لا أن نحمي لبنان لنتلقى صفعات من أشرف ريفي، ونُبقي الأداء السياسي والحكومي والإداري على ما هو عليه». ويختم كلامه بالقول: «لكن التوصل إلى تسوية مماثلة غير ممكن مع الرئيس نجيب ميقاتي».  

السابق
تحصينات إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة
التالي
الاخبار: جنبلاط يتنحى حزبياً… ويبقى سياسياً