الإيمو الإنتحاري: وصل إلى الضاحية والجنوب

الإيمو اختصار لكلمة Emotion، أي الإحساس والانفعال. وهي ثقافة جديدة قديمة، تغفو فترة ثم تعود وتنتشر بقوة لفترات متتالية. فهي متواجدة منذ الثمانينات، مع انتشار موسيقى الـHard Rock والرقصات التي كانت تستتبع على نغماتها الصاخبة، وقد انتشرت هذه الظواهر الغريبة المستوردة من الخارج منذ أيام الرئيس بشير جميّل، الذي أصدر أمراً حينها باعتقال كل من يظهر بشكل مختلف ومنفّر في الشوارع.. وكان له ذلك.
غفت هذه الظاهرة لمدة طويلة، إلاّ أنها عادت وبقوة إلى مجتمعنا الشرقي بشكل عام واللبناني بشكل خاص، تحت غطاء الموضة أو الـStyle "الدارج".يتميز مراهقو وشباب "الإيمو" بأسلوب حياتهم ولباسهم وتسريحات شعرهم وطريقة عيشهم الخاصة بهم، والمختلفة تماماً عن أبناء جيلهم الطبيعيين. يسمع هؤلاء موسيقى خاصة تعرف بالـ"Metel والـTrans والـHard Rock، وهي جميعها تحاكي المشاعر وتزرع الحزن والألم بكلمات عاطفية، يغلب عليها صفة الكآبة والنكد، ويناقضها لحنها العنيف والفرح ربما، الذي يكون صاخبا ومؤذيا للسمع. أما ثيابهم فهي إما سوداء قاتمة وإما بألوان فاقعة، والحذاء الأشهر لديهم "Vans"، او الـ"Convers"، ويعمد القسم الأكبر منهم إلى لبس كل فردة بلون مختلف ولكن يتناسق مع الأخرى! كما أنهم يضعون الحلق في كافة أعضاء الجسد، ويملأون أصابعهم بالخواتم العريضة والأساور في الأيدي، والنظارات السوداء ليلاً نهاراً، وفي كافة الأمكنة.
ويميل "الإيميون"، إذا صحّت التسمية، إلى البكاء والكآبة، وهم عاطفيون ويتفاعلون مع أبسط الأمور الحساسة وأكثرها غرابة، ويعتبرون أنفسهم منبوذين من المجتمع، مع العلم أنهم هم من قام بهذا التمييز.
وقد رأى المتخصّص بالأمراض النفسية والعصبية الدكتور علي نزهة أن "هؤلاء الشبان يعيشون في وهم نتيجة تأثير هذه الموسيقى، وتأثرهم بكلماتها التي تميل إلى الكآبة"، معللاً أسباب ذلك إلى "غياب الأهل وإهمالهم لمشاكل أبنائهم لا سيما العاطفية، ما يجعلهم يجنحون إلى اختيار هذه الموسيقى التي تحاكي وجعهم وتنقل صورة حياتهم"، وأضاف: "إن أخطر ضرر نفسي قد يلحق بهؤلاء هو رغبتهم بالانتحار لأن في ذلك ملاذهم الوحيد وسعادتهم الكبرى".
يلعب الانترنت دورا في نشر هذه الثقافة، كذلك المواقع الترويجية لهذه الثقافة، المنتشرة بشكل كبير في كافة المناطق اللبنانية. فأصبحنا نرى هذه الظاهرة تترسخ رويداً رويداً بين أوساط الشباب وحتى المحافظة منها، فهي باتت مرئية في مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت، والجنوب وأيضاً، في أوساط الدروز، الذين يعتبرون من أكثر الطوائف تدقيقا بهذه الأمور وانغلاقاً على العادات الأجنبية الغريبة. والملف أن ثيابهم وحليهم باتت منتشرة في كل محلات الألبسة والأحذية، وصالونات الحلاقة حيث يقصّون الشعر وفقاً لموضة هؤلاء.
وقد أكد أمين ف. أنه أحب "هذا الفكر بعد أن تعرفت عليه عبر منتديات مخصصة للـEmo وبتّ أطبّق أفكارهم وأمشي على أساليب عيشهم". أما سلطان ب. من الضاحية فيقول: "الفكرة جاءت بعد سهرة كنت فيها مع عدد من أصدقائي، وقد التقينا على وجود مشاكل عائلية، وبعد عدة لقاءات مع الرقص، والشرب والتحشيش، أصبحنا مقتنعين أن الـEmo ملاذنا الوحيد للتخلص من كل ما يضايقنا في الحياة".
فعلا غريبة هذه الأفكار التي يتناقلها هؤلاء الشباب ويحتمون خلفها ليهربوا من واقعهم، ويلجأون إلى الحزن والكآبة فالانتحار. يعاقبون عائلاتهم التي سببت لهم تلك المشاكل العائلية والعاطفية من خلال معاقبة أنفسهم بعزلها عن ملذات الحياة، والعيش ضمن قوقعة من المآسي، والموسيقى المدمرة للجهاز العصبي من شدة قوتها، والكلمات التي تحرض على قتل النفس، لأن في ذلك السعادة الكبرى.
والأغرب، ان المظاهر التي تميّزهم لم تعد ميزة لأنها باتت موضة، فالجميع يلبس الـConverse – وأنا منهم – والجميع يزيّن شعره بأحدث القصات وأكثرها غرابة، والأسواق المحلية والتلفزيونات تساعد على نقل هذه الصورة، دون أن يؤخذ لها أبعاد عما تسببه على المدى المنظور، لا سيما وأن الحفلات ترتكز موسيقاها على الـTrans والـMetel، لتحريك "السهّيرة" وجذب أكبر عدد ممكن من الشبان الغارق في متاهة اكتشاف الذات والبحث عن المستقبل، في عالم يتقاسمه الزعماء الكبار، ويلهو فيه الأهل بـ"الركض وراء القرش" لتحسين مستوى معيشتهم، ما يتسبّب بغضّ أبصارهم عن مراقبة أفعال أولادهم التي هي قنبلة موقوتة قد تنفجر بانتحار ولدهم في يوم ما.

السابق
خليل: أثبتت التجربة ان الإحتكام الى الطائفة والمذهب يضعف من يحتمي بها
التالي
البناء: الحكومة تخوض الأربعاء المقبل غمار المياه بعد الكهرباء