معادلة ابن سعود

إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن مشاركة المرأة السعودية بمجلس الشورى، تعيينا، والمجلس البلدي، انتخابا وترشيحا، خطوة إصلاحية تاريخية، كما أنها دليل على ما أسميه معادلة ابن سعود.
فمنذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، طيب الله ثراه، وجميع الخطوات الإصلاحية الكبرى التي مرت بها البلاد، من تعليم، وإعلام، وحتى تدشين البرقيات، إلى سن القوانين والأنظمة، جاءت بقرارات من القيادة، أي الملك.. فعلها المؤسس، وكذلك أبناؤه الملوك، وحتى عهد الملك عبد الله، وكم كان لافتا بالأمس قول الملك: «لأننا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي في كل مجال عمل وفق الضوابط الشرعية، وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه وأيدوه، لقد قررنا الآتي… مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضوا اعتبارا من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعية».

فالحديث عن «التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء وآخرين من خارجها»، يعني أن العاهل السعودي يسير على نفس النهج الذي اختطه المؤسس حين كان يشير إلى أهل الحل والعقد، من رجال الدين، والدولة. فابن سعود حاكم لكل الشعب، وليس فئات منه، ومن يعرف السعودية جيدا يدرك أن المواطن، كان ولا يزال، متقبلا لقرارات الدولة التقدمية، أكثر من قبولها كصراع تيارات. فالسعوديون لم يرثوا دولة، بل بنوها، ويعون أنها دائما أمام استحقاقات حقيقية.
 
فلو ترك قرار مشاركة المرأة في الشورى والبلدي للتجاذب، والحملات، لما وجد قبولا شعبيا، لكن صدوره من قبل الملك أوجد له القبول والترحيب. ويكفي هنا تأمل أمر مهم؛ فبينما فشلت حملات الترويج لخروج مظاهرات داعمة لقيادة المرأة للسيارة، رحب المجتمع نفسه بما هو أكبر، وهو قرار الملك بمشاركة المرأة في الشورى والبلدي. وعندما نقول «أكبر» فلأنه يخول المرأة السعودية اليوم سن الأنظمة والقوانين، كما بات بمقدورها اليوم طرح جميع قضاياها تحت قبة الشورى، بما فيها قيادة السيارة، أو ما يوافق أولوياتها الملحة، فقد باتت شريكة، لا تابعة.

كل ذلك يؤكد أن القيادة السعودية هي القادرة على إدارة دفة الإصلاح والتقدم دون حملات أو مطالب خارجية. فلدى القيادة الرصيد الشعبي، والشرعية الراسخة، وبالتالي فما تحتاجه السعودية اليوم هو المضي قدما بالإصلاح دون الركون للتجاذبات، وإن كان التوقيت مهما، لكن حتى بعض دول الخليج ذات التجربة الديمقراطية الطويلة، اضطر السياسي فيها لانتزاع حق المرأة من البرلمان، فلا يمكن الركون لتصلبات مفتعلة.
وعليه، فبدلا من تسييس القضايا، أو تركها مطية لطلاب الشهرة، خصوصا أن كثيرا من هؤلاء تقلبوا تقلبات شديدة في سنين معدودة، وكان من شأن تقلباتهم أن تترك آثارا سلبية على المجتمع لو تم الانصياع لمطالبهم، ومجرد استعراض تاريخ البيانات بالسعودية يغني عن التفصيل، لذا، فمن الأجدى أن يكمل ابن سعود مسيرته الإصلاحية مثلما فعل طوال تاريخه، ومثلما فعل الملك أمس.
ففي السعودية الشعب يصدق الملك.. هكذا يقول التاريخ، والحاضر. 

السابق
من المسجد الاقصى الى المسجد الحرام سيرا على الاقدام
التالي
هل حلّ الازمة السورية… من لبنان ؟