اللواء: الراعي في الجنوب يشدّد على الشراكة ··· وانتقادات جعجع تتفاعل

ملأت الاحتفالات الساحة الداخلية سواء تلك التي نظمتها <القوات اللبنانية> لشهدائها في جونيه، او تلك التي نظمت من قبل حركة <امل> و<حزب الله> للبطريرك الماروني مار بطرس بشارة الراعي، الذي انتقل الى الجنوب في محطات منتقاة، حرص فيها على زيارة الكنائس والمواقع المسيحية، سواء في مدن الاقضية الجنوبية، من صور الى بنت جبيل مرجعيون وحاصبيا والنبطية والتي تنتهي اليوم في الزهراني بغداء يقيمه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في منزله في المصيلح·

في هذا الوقت كان الرئيس ميشال سليمان يعود من نيويورك بعد ان امضى هناك ثلاثة ايام متكلماً باسم لبنان امام الامم المتحدة ورئيساً لاحدى جلسات مجلس الامن، بالتزامن مع طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة·

ولمتابعة دور لبنان في الامم المتحدة توجه الرئيس نجيب ميقاتي الى نيويورك ليل امس الاول، ومهد لذهابه بسلسلة مواقف ابرزها من المحكمة الدولية وتمويلها، اثارت ولا تزال سلسلة ردود فعل معترضة وحانقة من دون ان تصل الى درجة الخلاف العلني مع <حزب الله> و<امل> والتيار العوني، بما يهدد حكومته، لان الفريق المعارض لتمويل المحكمة لن يكون بمقدوره ان يجازف بأخذ لبنان الى صدام مع المجتمع الدولي، لاعتبارات لا تتعلق به فقط، بل بدوره في المرحلة المقبلة على صعيد ترتيبات المنطقة·

وبين الحدثين الجنوبي والنيويوركي بقيت الساحة الداخلية تتفاعل على ايقاع الانتقادات المباشرة التي وجهها رئيس الهيئة التنفيذية في حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للبطريرك الراعي ومواقفه على مسمع من البطريرك السابق نصر الله صفير وعدد من الكهنة والمطارنة وقيادات 14 آذار البارزة، بما فيها رئيس حزبي الكتائب <امين الجميل> والوطنيين الاحرار <النائب دوري شمعون> وعميد حزب الكتلة الوطني كارلوس اده، والتي كان للرئيسين سليمان وميقاتي نصيب منها، تولى الرد عنهما وزير الداخلية مروان شربل، في وقت تفاعلت فيه عملية اقتحام الطبقة الثانية من مبنى الاتصالات من قبل الوزير المعني نقولا صحناوي خلافاً لقرار مجلس شورى الدولة·

وفي سياق تحدي توجهات الحكومة، يستعد النائب ميشال عون للمطالبة بإجراء سلسلة من التعيينات في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء في 5 تشرين الاول والمخصصة للبحث بسلسلة الرتب والرواتب لاساتذة الجامعة اللبنانية، وربما فتح ملف الاجور، ولا سيما في مركزين يعودان للطائفة الأرثوذكسية، وهي مدير عام إدارة الموظفين في مجلس الخدمة المدنية ومدير عام إحدى هيئات الرقابة، علماً أن المركزين غير ملحين مثل رئاسة الجامعة اللبنانية والمحافظين والمراكز الشاغرة في وزارة الداخلية·

وحدد هؤلاء الوزراء أجندة للحكومة، تضمنت استحقاقين هما: الموازنة، والذي يشمل استكمال موازنة 2011 إضافة إلى مشروع قانون موازنة الـ2012، والثاني المتعلق بثروة لبنان النفطية في البحر، حيث من المفترض إصدار المراسيم التطبيقية والتي تشمل اصدار مراسيم تشكيل الهيئة وتحديد آلية المناقصات، سيما وان دول الجوار باشرت التنقيب عن حصتها النفطية في البحر·

اما موضوع تمويل المحكمة المفترض أن يستحق في نهاية شهر أيلول الحالي، فقد غاب عن أجندة وزراء التيار العوني، في وقت حزم فيه الوزير السابق وئام وهّاب مساء أمس، بأن موضوع التمويل لن يمر في مجلس الوزراء <حتى لو دقوا رؤوسهم في مائة حائط ولو كانوا طوالاً أو قصاراً>، في اشارة إلى الرئيس ميقاتي، لكنه رجح أن يتم تمويل المحكمة وفق <تخريجة معينة> عبر مرسوم، على اعتبار أن ليس للبنان مصلحة في أن يصطدم مع المجتمع الدولي، والذي قد يصل هذا الصدام إلى فرض حصار على سوريا، مؤكداً أن لبنان لن يسمح باذلال سوريا عبر الحصار، واصفاً ثوار ليبيا بأنهم <مجموعة نصابين>·

ميقاتي في نيويورك وجاء هذا الموقف من الحليف الرئيس لحزب الله وعون وسوريا، في وقت أعلن فيه الرئيس ميقاتي، من نيويورك، انه لا خيار للبنان الا ان يكون على علاقة ممتازة مع كل دول العالم، باستثناء العدو الإسرائيلي، مشيراً إلى ان الأولوية لديه هي الوحدة الداخلية، وبناء على ذلك نقارب أي موقف خارجي·

وكشف عن سلسلة لقاءات سيعقدها اليوم في مكتب رئيس مجلس الأمن الدولي، بصفة لبنان رئيساً لمجلس الأمن لهذا الشهر، مع كل من وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، إضافة إلى لقاءات مع رؤساء وفود عربية وأجنبية والسفراء العرب المعتمدين في الأمم المتحدة، كما سيعقد اجتماعاً مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يتناول فيه موضوع القرارات الدولية المتعلقة بلبنان وطلب فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة والوضع الإقليمي· 

وعن المحكمة الدولية، أعلن ميقاتي أن الموضوع لم يبحث في الحكومة، وما زال هناك متسع من الوقت لذلك، مشيراً إلى أنه كرئيس حكومة لبنان يشدد دائماً على أن المصلحة اللبنانية أولوية وهي باحترام القرارات الدولية وعدم الانتقائية في تطبيقها، لافتاً إلى أن أي موقف رافض لم يصله إلا عبر ما صدر في الإعلام كنوع من ربط النزاع على حدّ قوله، معتبراً أنه من الأفضل عدم الحديث في موضوع المحكمة <كي لا ندخل في سجال لا طائل منه، فيصبح البعض أسرى مواقفه>·

جولة الراعي ولم يشذ البطريرك الراعي، في خلال جولته الجنوبية، عن ما أعلنه الرئيسان سليمان وميقاتي في نيويورك، بوجوب احترام القرارات الدولية، بما فيها ما يتعلق بالمحكمة الدولية، فأكد بدوره أن لبنان لا يستطيع تخطي القرارات الدولية، لكنه تحاشى الانزلاق إلى مواقف نافرة على رغم الحفاوة التي أحاطه بها حزب الله وحركة <أمل> حيث أطلق عليه الوزير علي حسن خليل لقب <إمام البطاركة>، ولا سيما في خلال زيارته لمدينة صور وبلدات قانا وعلما الشعب والناقورة وخلوات البياضة والنبطية ومرجعيون والخيام والعيشية وتبنين وعين إبل والقليعة·

وشدد الراعي خلال هذه المحطات على العيش المشترك مسيحيين ومسلمين، وعلى قيمة لبنان في التنوّع الطائفي والسياسي، وأن الشراكة والمحبة التي اتخذها شعاراً له سيمضي بها قدماً لتطبيقها بالتعاون مع الجميع، لافتاً إلى أن قضية المبعدين من أبناء الشريط الحدودي السابق تعالج بهدوء وحكمة، داعياً إلى تجاوز كل عقبات العيش معاً، قائلاً: <تعالوا نطوي صفحة الماضي ونتطلع إلى الأمام والمستقبل>، مؤكداً التزامه حماية لبنان وتحصينه تجاه ما يتهدده من أخطار محدقة داخلية وخارجية، كما دعا القوى السياسية الى التحاور والتلاقي والجلوس معاً الى طاولة الحوار لإنقاذ لبنان وتحصين الاستقرار الداخلي، منوهاً بدور المقاومة في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية وقال:

<يجب ان نبقى متيقظين لاننا ما نزال نواجه اخطار التقسيم والتفتيت في المنطقة>·

جعجع في مهرجان <القوات> اما المواقف التي اطلقها جعجع في قداس <القوات> في جونية مساء السبت، فما تزال تتفاعل على الصعيدين السياسي والكنسي، سيما وان القداس الذي ترأسه البطريرك السابق الكاردينال نصر الله بطرس صفير حمل مجموعة مؤشرات الى ان العلاقة بين <القوات> وبكركي تمر في مرحلة تباين في وجهات النظر، عبر عنها جعجع صراحة بالقول بأن الخوف على المسيحيين في الشرق لا يبرر الانقلاب على القيم ولا يبيح المحظورات، فضلا عن ان الوجود المسيحي ليس لحماية انظمة، وفي ذلك انتقاد مباشر لمواقف الراعي في فرنسا، والتي اشتمت منها القوات تأييدا لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، خشية ان يتعرض المسيحيون في سوريا الى ضرر في حال وصل المتطرفون الاسلاميون الى السلطة·

واذ لاحظ جعجع ان الخوف من التطرف مبرر ومشروع، الا انه اعتبر ان هذا الخوف لا يبيح المحظورات ولا يفترض انقلاباً على القيم الانسانية والمسيحية او عبر تفشي عقد الاقلوية في نفوسنا وتحولنا الى اقلية عددية صاحبة رسالة اكثرية انسانية عالمية الى اقلية هامشية، متسائلاً هل نتخلى عن الربيع عندما اصبح يشبهنا؟

واستهجن جعجع موقف الحكومة عما يجري في سوريا، معتبرا ان الدولة قائمة وقادرة اذا ارادت وتحظى بغطاء ودعم الشرعيتين العربية والدولية، لكن فئة من اللبنانيين تصر على ان تبقى الدولة عاجزة وتعمل على ابقائها مقصرة، متوجها الى <الاخوة> في حزب الله لاتخاذ قرار جريء بالتخلي عن السلاح، بعدما ادى هذا السلاح دوره كاملا حتى العام 2000· مؤكدا ان محكمة لبنان هي أداة لانتصار شرعة القانون وحقوق الانسان، وان آلة القتل والاغتيال ستصبح خارج الخدمة قريباً·
 

السابق
السفير:الراعي في قلب الجنوب: قاومتم لأجل الوطن
التالي
هل الوجود المسيحي في خطر··؟