يا سامعين الصوت.. ويا صحافة الحذاء!

لا أدري إن كان أحد يهتم.. لكن هذه قصة محزنة وتعتبر مؤشرا حقيقيا على مستوى الهزيمة الأخلاقية، والثقافية، التي نعاني منها منذ عقود، وبطل هذه القصة هو صحافي عراقي مغدور، ألف مرة، على يد مغتاليه، ومتناسيه!
فقبل أيام تم اغتيال الإعلامي والمسرحي العراقي هادي المهدي في منزله بمنطقة الكرادة ببغداد، وعشية مظاهرات كان مقررا إجراؤها في ساحة التحرير. وكان الراحل من أشد الداعين لها، حيث تطالب بمعالجة الأوضاع الاقتصادية في العراق، وتصحيح العملية السياسية هناك. قتل الصحافي المهدي، صاحب البرنامج الإذاعي «يا سامعين الصوت» بنفس اليوم الذي كتب فيه على صفحته على «فيس بوك» أنه تلقى تهديدات بالقتل بسبب دعوته العراقيين لضرورة المشاركة في مظاهرات ساحة التحرير، والدفع من أجل القيام بتغيير في البلاد جراء الأوضاع الاقتصادية المزرية، والسياسية المتردية.
 
المحزن، والمؤسف، أن مقتل الصحافي العراقي لم يلق قدرا من التنديد أو الإدانة، سواء عراقيا، أو عربيا، بمقدار ما وجد الصحافي العراقي منتظر الزيدي من ترحيب واحتفاء يوم ألقى بحذائه على الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أثناء زيارته لبغداد حينها، إذ عقدت المؤتمرات لرامي الحذاء، وهبت بعض المنظمات والجهات الإعلامية العربية للاحتفاء به والدفاع عنه، وتصويره كالبطل الهمام الذي لا يشق له غبار، بل بات يدعى للمؤتمرات، ويقدم وكأنه أفضل من «يلمع» القضية العراقية، والعربية!
وجد رامي الأحذية احتفاء واهتماما لم يجده صحافي عراقي دفع حياته ثمنا بسبب مطالبته بتحسين أوضاع مواطنيه، وإصلاح النظام السياسي في بلاده، فلم نسمع أسئلة تطرح بصوت مسموع عن من قتله؟ ولماذا؟ بل وكيف يقتل صحافي كل ذنبه أنه طالب بالتغيير من خلال مظاهرات سلمية في بلاد يقال لنا إنها ديمقراطية ويفترض أن تكفل حق التعبير والتظاهر لمواطنيها؟ كيف يقتل صحافي عراقي يطالب بالتغيير وتنتهي حياته هكذا في بلد هب رئيس وزرائه نوري المالكي، ومن مثله من المقربين من إيران، لمحاضرة دول الخليج العربي حول حقوق الشيعة في البحرين؟ فلماذا لم يسأل أحد المالكي ونظامه سؤالا بسيطا، وهو: ماذا عن حق المواطن العراقي بالتعبير عن رأيه؟ وكيف يقتل صحافي طالب بأمر مكفول في النظام العراقي وهو التظاهر؟ ولماذا لم توفر له الحماية، خصوصا أنه قد تلقى تهديدات بالقتل، وشكا المغدور من ذلك علنا؟ فهل كان هناك إهمال متعمد، أم أن حكومة العراق الديمقراطية مشغولة بالدفاع عن نظام بشار الأسد البعثي، على اعتبار أن الطائفية أهم من المواطنة؟
أمر محبط حقا حينما نرى كيف يقتل صحافي يدعو للتغيير في بلاده، وفي زمان ما يسمى بالربيع العربي، ولا يجد من يناصره، ويدافع عن قضيته، بنفس القدر من الاهتمام الذي حظي به رامي أحذية!
لذا، فإن من يتأمل قصة الصحافي العراقي المغدور، وردود الفعل المتقاعسة حول مقتله، والتي تظهر مستوى هزيمتنا الأخلاقية والثقافية، لا يملك إلا أن يردد بيت شعر من قصيدة للراحل الدكتور غازي القصيبي يقول فيها:
قل لها.. إنه تأمل في دنياه
حينا.. فعاد يحضن دمعه 

السابق
لهذه الأسباب لا يسقط نظام الأسد؟
التالي
مهرجان سورية بخير في صور الثلاثاء المقبل