لهذه الأسباب لا يسقط نظام الأسد؟

لدى قوى 14 آذار معطيات تفيد "أنّ النظام السوري سيسقط، وأنّ مشروع الاكثرية اللبنانية المتحالفة معه "سقط، أو بات آيلا للسقوط، والذي كانت أهدافه الإطاحة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وعودة النفوذ السوري وتكريس السلاح" على حدّ قول قيادي بارز في المعارضة.

وفي المقابل يُسجّل قطب بارز في فريق الأكثريّة تراجع منسوب الخوف على مصير النظام السوري لدى هذا الفريق الى درجة كبيرة، وإنّ أركانه بدأوا يتحدّثون بثقة عن أنّ هذا النظام استعاد زمام المبادرة ويعمل حاليّا على تصفية ذيول المواجهات التي شهدتها مختلف المدن والبلدات السورية من الجنوب الى الشمال ومن الشرق الى الغرب.

ويقول هذا القطب إنّ النظام السوري سيحتاج الى وقت ليس بقليل حتى يتمكّن من إعادة تطبيع الوضع العام في سوريا، لأنّ الذين أداروا حركة الاحتجاج ضدّه لم يفقدوا الأمل بعد في إمكان النيل منه، وما زالوا يتربّصون له الدوائر مراهنين على إنهاكه بمزيد من التحرّكات في قابل الايّام والاسابيع.

ويكشف القطب نفسه عن أنّ دمشق تعاطت في أحيان كثيرة مع حركة الاحتجاج بشيء من المراهنة على الوقت، اعتقادا منها بأنّ عامل الزمن هذا سيكون لمصلحتها لأنّه سيكشف أكثر فأكثر حجم التورّط الخارجي في ما يجري على الأراضي السورية والذي تكشفه أعداد المعتقلين من جنسيّات عربية وأجنبية مختلفة. ويضيف: "إنّ ما آل إليه الوضع على الارض الآن بات يفرض على النظام حسم الموقف سريعا لأنّ عامل الوقت لم يعد في مصلحته ولأنّ استمرار المواجهات يمكن ان يجتذب مزيدا من التدخّلات الخارجية".

ويرى هذا القطب الاكثري "أنّ فرنسا هي من اكثر الدول اندفاعا في إتجاه تأييد خيار التدخّل العسكري الغربي ضدّ النظام السوري، وأنّها تؤيّد صراحة تدخّلا على غرار ما حصل في ليبيا. وفي هذا الإطار يتوقّف القطب عند تلويح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أخيرا بسحب الوحدة الفرنسية المشاركة في قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) العاملة في جنوب لبنان في حال تعرّض جنودها مجدّدا لأيّ اعتداء، مبديا خشيته من أن يكون في نيّة فرنسا سحب جنودها من "اليونيفيل" كخطوة استباقية، أي حرب أطلسية يمكن ان تشَنّ على دمشق، وقد تجعل من هؤلاء الجنود الفرنسيين أهدافا لجهات حليفة لدمشق أوغيرها بغية التأثير على الموقف الفرنسي المؤيّد للحرب على نظام الرئيس بشّار الأسد.

غير أنّ هذا القطب يعتقد أنّ إمكانية تكرار السيناريو الليبي في سوريا ليس بالأمر السهل المنال لاعتبارات كثيرة منها:

أوّلا- إنّ الموقف الاميركي لا يوحي بوجود رغبة اميركية جامحة الى اسقاط النظام السوري، خصوصا بعدما بدأت الولايات المتحدة الاميركية تتحدّث بلسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون عن "أنّ الثورات الشعبية في الشرق الاوسط ربّما تُعرّض الأقليّات لأخطار جديدة". وهي بذلك تلتقي مع ما كان حذّر منه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على هامش محادثاته الأخيرة مع ساركوزي وعدد من المسؤولين الفرنسيّين الكبار. عِلما أنّ هذا الموقف الاميركي ظلّ في الاشهر الاولى من بداية الاحتجاجات في سوريا منقسما على نفسه الى ان أعلنت واشنطن أنّها أوكلت الشأن السوري للمملكة العربية السعودية وتركيا، ليتّضح في الصورة لاحقا أنّ باريس وأنقرة والدوحة هي اكثر العواصم تدخّلا في الشأن السوريّ.

ثانيا- إنّ تركيا التي تصدر "مواقف سلطانية" تحذّر القيادة السورية من كذا وكذا… بدأت تواجه متاعب عربية لأنّ بعض الدول العربية بدأت تتبرّم من الدور التركي الذي تجد فيه ما يلغي دورها، فضلا عن المتاعب الداخلية التركية التي بدأت تطلّ برأسها سواء على مستوى المؤسسة العسكرية او على المستوى الكردي، إضافة الى اكتشافها أنّ واشنطن لا تحبّذ الاقتداء بتجربة "حزب العدالة والتنمية" التركي حلّا للأزمة السوريّة. وهذا ما يفسّر تصعيدها الموقف ضدّ إسرائيل من بوّابة قضية سفينة "مرمرة" التي كادت تصبح نسيا منسيّا.

ثالثا- إنّ النظام السوري ليس متروكا وحيدا في ساحة المواجهة، خصوصا على الصعيد الدبلوماسي، فإلى الدعم الايراني له، هناك روسيا والصين الدولتان الدائمتا العضويّة في مجلس الأمن اللتان تمتلكان حقّ النقض "الفيتو"، وقد تمكّنتا حتى الآن من تعطيل صدور أيّ قرار في مجلس الأمن الدولي يهدف الى إدانة دمشق أو التدخّل العسكري الدولي ضدّها. فدمشق بالنسبة الى موسكو وبكين هي منفذهما الوحيد على البحر المتوسط، ولا يبدو أنّهما تريدان التفريط بها لكثير من الاعتبارات والمصالح الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية.

وفي هذا السياق، يقول القطب الأكثري البارز، إنّ موسكو ليست في وارد مبادلة سوريا بأيّ مصلحة أخرى مع واشنطن، مثلما فعلت في قضايا أخرى. وإذ يقول الاميركيون إنّ لديهم 18 نقطة تداخل مع الروس حول العالم، فإنّ موسكو لا ترى في أيّ من هذه النقاط ما يغنيها عن سوريا التي كانت ولا تزال تشكّل معقلها الوحيد في منطقة الشرق الأوسط والذي لا يمكنها التفريط به على المستوى الاستراتيجي في مواجهة المصالح الغربية والاميركية.

وفيما يرى البعض أنّ ما يتعرّض له النظام السوري هو "عملية تشتيت قوى يمكن أن تواكبها عملية مماثلة تستهدف حزب الله وحلفاءه في الاكثرية، تتوّج لاحقا بحرب تشنّها إسرائيل بقصد استعادة "قوّة الردع" التي فقدتها نتيجة حرب تمّوز 2006، فإنّ القطب الاكثري يخالف هذه النظرة مشيرا إلى "أنّ النظام السوري تخطّى مرحلة الخطر". لكنه يعتقد "أنّ الاحتمال الأسوأ في حال حصوله، فإنّه سيؤدّي الى تمدّد الخطر الى لبنان، خصوصا إذا اندلعت حرب أهلية في سوريا، الأمر الذي سيفرض على كلّ فريق حماية مناطقه وتجنّب الانزلاق الى أيّ فتنة. ولذا فإنّ هذا القطب يعتقد أنّ البطريرك الراعي في ما قاله، إنّما وضع يده على مكمن الخطر الذي يتهدّد لبنان والمنطقة في حال سقوط النظام السوري، وهذا ما يفرض على الجميع العمل لتجنيب لبنان هذا الخطر.  

السابق
الموسوي: حزب الله لن يترك السلاح
التالي
يا سامعين الصوت.. ويا صحافة الحذاء!