الكتاب المدرسي همّ والحل المستعمل

مع بداية كل عام دراسي، تعلو صرخات الأهالي من ارتفاع أسعار الكتب المدرسية، وتحديداً تلك المستوردة التي تتبدل سنوياً، تبعاً لكل مرحلة دراسية، بحيث يعجز الأهل عن الاستفادة منها في العام التالي، أو حتى بيعها، فالمطلوب دائماً هو «الطبعات الجديدة أو المنقحة». فيضاف همّ إلى هموم العائلة اللبنانية، التي لا تملك إلا الامتثال لما يفرض على أولادها من كتب. كما تتريث المكتبات، تفادياً للخسارة، في شراء الكتب المستعملة، بانتظار صدور لوائح الكتب في المدارس، علماً أن منافسة بعض المدارس للمكتبات، لجهة بيع الكتب وحتى القرطاسية إلزامياً في مدارسها، دفع بها الى الاعتماد على شراء الكتب المستعملة وبيعها.

وبذلك، حلّت بداية العام الدراسي الحالي مثقلة بالمصاريف على الأهل، في ظل الضائقة الاقتصادية، وغلاء الأسعار، وعدم وجود رقابة فعلية على بيع الكتب، وعدم توحيد أسعارها. فقد تم توحيد سعر كتاب «المركز التربوي للبحوث والإنماء»، وهو الكتاب الرسمي الصادر عن وزارة التربية، وتوفّر على غلافه الخارجي سعره الرسمي بالليرة اللبنانية. أما الكتب المستوردة من الخارج فتسعّر بالعملات الأجنبية، وتباع تبعاً لتقلّب أسعار العملات والبورصة.
بات شراء الكتب كالمصيبة تحلّ على الاهل الذين لم يكونوا قد شفوا بعد من «ضربة» الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة، التي ترتفع كلما سنحت الظروف بذلك، في ظل «تغييب» ضابط الإيقاع المنظّم والمحدّد للسقف الأعلى للأقساط، تبعاً لما هو وارد في القانون 515. فالقانون المذكور أعطى لجان الأهل الحق في مراقبة الأقساط، وطريقة زيادتها.

ويترافق ذلك مع توجّه المؤسسات التربوية الخاصة إلى إحداث زيادة على الأقساط تبدأ من ثلاثمئة ألف ليرة، في حال إقرار الدرجات الأربع ونصف الدرجة لمعلمي مرحلة التعليم الأساسي.
ولم ينفع اجتماع وزير التربية والتعليم العالي حسان دياب مع وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس، خلال الأسبوع الماضي، في منع بيع الكتب المدرسية والقرطاسية واللوازم المدرسية في حرم المدرسة، أو حتى التقيّد بالتعميم المشترك بين الوزيرين، وفيه: «عند الكشف على المدرسة، يجب التأكد من الأمور الآتية: التأكد من عدم إلزام التلميذ أو وليّ أمره بشراء الكتب المدرسية من المدرسة حصرياً أو من أي مرجع آخر محدد عن طريق لائحة الكتب، والتأكد من عدم استعمال عبارة كتب جديدة فقط، والتأكد من اللوازم المدرسية ومدى انطباقها مع المواصفات اللبنانية أو العالمية. وفي حالة البيع في المدرسة، يجب إبراز المستندات المطلوبة الآتية: السجل التجاري، والفاتورة التجارية، ويجب أن يدوّن على الكتاب سعر المبيع بحبر مطبعي واضح على الغلاف».
كما لم ينفع التعميم الذي أصدره وزير التربية ووجهه الى المسؤولين عن المدارس الخاصة، في الثامن عشر من آب الماضي، داعياً إياهم للتقيد بمضمون المادة الثامنة من القانون 515 التي تنص على: «للمدرسة أن تحدد لوائح الكتب ومواصفات اللوازم المدرسية، غير أنه لا يجوز إلزام التلميذ بشراء هذه الكتب واللوازم المدرسية من المدرسة أو من أي مرجع آخر، كما لا يجوز منعه من استعمال كتب مدرسية مستعملة ما زالت صالحة للاستعمال، أو إلزامه بتناول وجبات طعام في المدرسة».

الموازنة وبيع الكتب

رأى مصدر تربوي، في حديث مع «السفير»، أن مشكلة بيع الكتب في المدارس، «يمكن إيجاد حل لها من خلال عودة العمل بإعطاء لوائح الكتب للأهالي مع شهادة النجاح، أي في شهر تموز من كل عام، خصوصاً أن الكتب تقرّ في شهر أيار. وبذلك، يكون لدى الأهالي متسع من الوقت لشراء الكتاب الذي يريدونه، مستعملاً أم جديداً، تبعا لميزانيتهم، لا أن يحشر أولياء الأمر في فترة أسبوعين لشراء الكتب في المكتبات، فيكون الخيار بشرائه من المدرسة».
ولفت المصدر الى أن المؤسسات التربوية تعتبر بيع الكتب «خدمة للزبون، مثلما تقدّم المطاعم الحلويات والفاكهة في نهاية الوجبات، فلا تدرجه على الفاتورة»، على حد وصف المصدر، موضحاً أن «ربح الكتب والقرطاسية لا يدرج في موازنة المدرسة، ولو تم ذلك، لخفّض القسط. كما أن الدولة لا تستفيد بأي قرش من الضريبة على القيمة المضافة جراء بيع الكتب في المدرسة».

وأشار المصدر إلى أن «بعض المدارس لجأ إلى الصين لشراء الزيّ المدرسي والملابس الرياضية، بأسعار لا تتجاوز كلفة القطعة، منها سبعة دولارات، لتباع للأهالي بكلفة تتراوح ما بين خمسين وسبعين دولاراً».
وانتقد المصدر «غياب الدولة عن المدارس الكبرى التي تتقاضى من الأهالي بدل فتح ملف لكل تلميذ جديد، وتتراوح قيمته ما بين خمسمئة وألفي دولار، ولا يتم إدراج هذه المبالغ في الموازنة كما ينص القانون 515».

الكتاب «الرسمي» أرخص

شرحت فاطمة، وهي تنتظر دورها لابتياع الكتب من إحدى مكتبات الضاحية الجنوبية، «عندي بنت وحيدة في الصف الرابع الابتدائي، وما قادرة على المصاريف!». سارة، ابنة فاطمة الوحيدة، أحرجت والدتها في المكتبة، وبدأت تقفز عن الأرض مصرّة على شراء حقيبة جديدة. وعبثاً سعت فاطمة إلى إقناع ابنتها بالعكس، لكن من دون جدوى. فقالت: «ثلاثة أيام وأنا أتنقل من مكتبة الى أخرى، لنوفّر في سعر الكتب. وهلق، بدها شنطة جديدة ثمنها أربعون دولاراً! شو الواحد منين بيدفع إذا كان عنده أكثر من ولد؟».

أما إبراهيم خليل (فلسطيني) فقد اصطحب زوجته سلوى وابنتيه ليال (الصف الثامن) وعبير (الصف السادس)، لشراء كتب جديدة لهما، علماً أنهما مسجلتان حالياً في مدرسة رسمية. وتمنى لو سجّل ابنتيه منذ بداية تعليمهما، في مدرسة رسمية: «لا أقساط، ولا من يحزنون»، وقال: «كنت أدفع ثلاثة آلاف دولار على كل بنت، والآن أدفع 165 ألف ليرة رسم تسجيل عن الواحدة في مدرسة رسمية في عرمون، وقريبة من البيت». وتابع: «كل سنة كنا نقع في عجز مادي.. والحمد لله، ارتحنا من همّ القسط، وحتى من ثمن الكتب، ومن البحث عن كتب مستعملة، لأن كتب الدولة رخيصة».

وحول أنواع الكتب التي يكثر عليها طلب الأهالي وأسعارها، أوضح المحاسب فؤاد، العامل في إحدى مكتبات الضاحية، أن «هناك ثلاثة أنواع من الكتب المدرسية التي تباع، منها ما يطبع في دور النشر المحلية، ومنها الكتاب المدرسي الرسمي، ومنها الكتاب المستورد من الخارج. الأخير هو الأغلى ثمناً، ويصل سعر الكتاب الواحد الى مئة وثلاثين ألف ليرة، بينما أغلى كتاب رسمي تبلغ كلفته ثمانية آلاف وخمسمئة ليرة فقط».
ولا تختلف الأجواء في العاصمة بيروت كثيراً، إذ تؤجّل هلا فكرة الذهاب الى المدرسة للحصول على لائحة كتب وحيدها زياد. فقد عمدت الى بيع كتب الصف الثامن قبل أسبوع، وعاد عليها بقيمة عشرين ألف ليرة، وسمعت من جارتها أن ثمن كتب الصف التاسع (البريفيه) يصل الى ثلاثمئة وخمسين دولاراً، وأخبروها أيضاً عن زيادة قريبة ستضاف إلى الأقساط: «صحيح عندي ولد وحيد، بس راتب أبو زياد محدود والحالة تعتير!».

في إحدى مكتبات العاصمة، يغوص الموظف الموكل ببيع الكتب، سامر، بين الملفات التي جمعت في طيّاتها عدداً كبيراً من لوائح كتب المدارس المختلفة. يقول إنّ أسعار الكتب المستوردة تحولت الى «بورصة». ويتبيّن من المقارنة ما بين سعر «الكتاب الأجنبي» وسعر «الكتاب اللبناني»، أن «الأجنبي» أغلى بنسبة عشرين في المئة من المحلي على مستوى كتب المرحلة الابتدائيّة، وأغلى بنسبة تتراوح ما بين خمسين وستين في المئة على مستوى كتب المرحلة الثانويّة.. مع التنويه بأنّ تلك النّسب مرتبطة بالكتب المطبوعة باللغة الفرنسيّة، أمّا تلك المطبوعة باللغة الانكليزيّة «فأغلى بكثير»، يقول سامر.
وهناك مقارنة أخرى تبيّن التفاوت في أسعار «الكتب المحليّة» بحدّ ذاتها. إذ يميّز عبد الله، وهو صاحب إحدى مكتبات منطقة رأس بيروت، بين الكتب المدعومة من الدولة، والكتب الصادرة عن دور نشر لبنانية. فعلى سبيل المثال، يبلغ سعر كتاب الفيزياء الصادر عن المركز التربوي 3650 ليرة لبنانية للصف التاسع، بينما يبلغ سعر كتاب الفيزياء للصّف عينه والصّادر عن إحدى دور النشر الخاصة، 48 ألف ليرة. وينسحب الأمر ذاته على كتب مادة الرياضيات، «فالمدعوم من الدولة سعره 3300 ليرة والصّادر عن دار نشر سعره 49 ألف ليرة». وأشار عبد الله إلى أنّ «السّعر يختلف تبعاً للّغة الأجنبيّة». فيبلغ مجموع أسعار كتب الصف الثاني الابتدائي – فرنسي مئتي ألف ليرة، ليصبح ثلاثمئة وأربعين ألف ليرة للصف الثاني الابتدائي – إنكليزي!

من جهتها، تنفي «نقابة الناشرين المدرسيّين في لبنان»، مسؤوليتها عن الكتب الأجنبية المستوردة، مؤكدة أن «جميع المنشورات والكتب الصادرة عن دور النشر اللبنانية محلياً، من دون استثناء، تخضع للتسعير المنطقي والعادل من لجنة متخصّصة في النقابة، وبموجب لائحة تسعير موافق عليها من مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، ولا يحق لأي ناشر مدرسي في لبنان أن يضع في الأسواق أية كتب غير خاضعة للتسعير والمراقبة مسبقاً من النقابة ومن المصلحة».
صحيح أن القانون 515 يضبط عمل المؤسسات التربوية، إلا أن الحاصل يفيد بأن المواطن بات ينام على قسط، ويستيقظ على آخر، ليهرع وراء كتاب جديد، وأسعار جديدة، في ظل غياب الرقابة الفعلية.
 

السابق
مؤتمر الامام الصدر الثالث في صور
التالي
مربو النحل في صور يطالبون بمكافحة الأمراض وحماية الإنتاج