العالم العربي يُغلق أمامنا

رأيت أن ناسا جديين اجتمعوا في مستهل الاسبوع للتباحث في تعاون اقليمي. ينبغي لنا ألا نخدع أنفسنا على الأقل لأنه لا يوجد تعاون اقتصادي اقليمي ولن يكون ايضا في المستقبل القريب، فكل حديث عن هذا في الوضع السياسي الراهن هو بمنزلة ذر رماد في العيون.
الحقيقة انه لم يكن حتى مطلع العقد الاخير من القرن الماضي لا تعاون اقتصادي اقليمي ولا علاقات اقتصادية من طرف واحد بين اسرائيل وجاراتها. فالقطيعة العربية (الاولى والثانية والثالثة) عملت على نحو كامل ونجحت في أن تبعد عنا لا شركات اقليمية فحسب بل شركات متعددة الجنسيات مهمة خشيت من أن تسبب علاقتها الاقتصادية مع اسرائيل قطع علاقتها مع العالم العربي.

جاء مؤتمر مدريد في أواخر 1991 معه ايضا بالمباحثات في اللجان متعددة الأطراف التي تناولت شؤونا اقتصادية وغيرها وفتحت أمام اسرائيل امكانية اجراء مباحثات مفتوحة ورسمية مع 13 دولة عربية امتنع أكثرها عن ذلك قبل ذلك. وأزال اتفاق اوسلو في 1993 حواجز كثيرة اخرى واشتمل على تصريحات رسمية عن الغاء اجزاء كبيرة من القطيعة ومكّن من نشوء لجان اقتصادية اقليمية بمشاركة زعماء اسرائيل وزعماء العالم العربي. وكانت هذه نافذة كانت مدتها أقل من خمس سنين وجرى فيها تعاون اقليمي مكشوف: فقد وقفت شركات متعددة الجنسيات في الصف لدخول اسرائيل وبلغت جهات اقتصادية في اسرائيل الدول العربية ولا سيما الخليج وشمال افريقيا، للفحص عن امكانات الاستيراد والتصدير.

انتهى هذا في 1996 مع تبدل السلطة في اسرائيل وعدم تحقيق اتفاق الحكم الذاتي الذي وقع عشية قتل اسحق رابين. ومنذ ذلك الحين لم يوجد أي اجتماع للجان المحادثات المتعددة الأطراف، ولم يُعقد أي مؤتمر اقتصادي اقليمي (اذا استثنينا مؤتمرا عاطفيا كان اعلانا بنهاية هذه الجهود)، وعادت القطيعة العربية بقدر كبير الى نصابها السابق، وضعفت العلاقات الاقتصادية مع مصر، وضعفت الصلات الاقتصادية مع الاردن (ولا سيما بعد أن فقد اتفاق التجارة الحرة معناه)، وبقيت العلاقة الاقتصادية المهمة الوحيدة لاسرائيل هي مع السلطة الفلسطينية.

إن الصلات الاقتصادية التي ما تزال قائمة والتي أخذت تقل ايضا، تُجرى سرا تحت غطاء شركات غير اسرائيلية وبواسطة ناس يسافرون بجوازات سفر غير اسرائيلية وبغير علم الجمهور في الدول العربية أو في اسرائيل. عدنا الى فترة الجبهات السرية.
اتخذت حكومة اسرائيل سلسلة من القرارات أهمها عدم معاودة وقف البناء في المستوطنات الذي يُمكّن من العودة الى طاولة التفاوض مع الفلسطينيين. وهذا حقها. ومعنى القرارات أن العالم العربي والاسلامي أخذ يُغلق أمامنا. وهذا حقه ايضا. لكن ينبغي ألا يخدعونا وألا يقصوا علينا قصص تعاون اقتصادي يجري في حين لا يوجد تقدم سياسي.

السابق
اليوم.. في الاونيسكو لمحو الأمية
التالي
دوريات وتحركات عسكرية للعدو وتدعيم المراكز المتاخمة للخط الفاصل