هل يُبادر حزب الله قبل فوات الأوان؟

لعل أسوأ ما في كلام النائب سامي الجميّل عن حزب الله أنه يُعبّر عن رأي وموقف شريحة مهمة من اللبنانيين، خاصة في الشارع المسيحي، الذي لا يستطيع العماد ميشال عون ادعاء احتكار تمثيله وحده!·

النائب سامي الجميل ينتمي إلى حزب سياسي مسيحي عريق، وهو ابن عائلة سياسية مرموقة قدّمت أكثر من شهيد على مذبح السيادة والاستقلال، ونواب الكتائب يمثّلون معظم المناطق المسيحية، والحزب مُشارك في معظم الحكومات اللبنانية منذ عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب، الأمر الذي يفرض ضرورة التوقف عند كلام الجميّل، وأبعاده المختلفة على صعيد الحراك السياسي الداخلي·

صحيح أن النائب الكتائبي الشاب ابتعد عن لغة التخوين والعمالة، ولكن المقارنة القاسية بين أداء حزب الله وأساليب المنظمات الصهيونية الناشطة على أرض فلسطين وخارجها، عكست حجم الهواجس والتوجسات التي تُقلق الكثير من اللبنانيين، خاصة في الشارع المسيحي، من سياسة الحزب التي تعتمد على فائض القوة للهيمنة على القرار السياسي في البلد، وفرض توجهات معينة على الشركاء الآخرين في الوطن·

فهل تلك الهواجس منطقية ولها ما يُبرّرها··؟·

ومَن يتحمّل مسؤولية كل هذا الحذر والقلق الذي يتملّك هذه الشريحة من اللبنانيين؟·

بداية، لا بدّ من الاعتراف بوجود هوّة تُباعد بين الأكثرية الصامتة من اللبنانيين و حزب الله، ساعدت عدّة عوامل على ظهورها، وتنمية مشاعر الشك والحذر في ثناياها·

ويمكن اختصار أهم تلك العوامل بالنقاط التالية:

 بروز الحزب ومؤسساته العسكرية والمدنية كقوة تنظيمية ذات إمكانيات تضاهي الدولة بقدراتها وانضباطيتها·

استخدام حضور الحزب العسكري والتنظيمي كأداة ضغط على المعادلة السياسية الداخلية، ما أدى إلى ظهور الخلل الحالي في التوازنات الوطنية·

 توجيه السلاح المُصنّف سلاح المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، إلى الداخل، واستخدامه لحسم الخلافات السياسية، تارة على نحو ما حصل يومي 8 و9 أيّار 2008 في بيروت والجبل، وتارة أخرى عبر التلويح باللجوء إلى السلاح لقلب التحالفات الداخلية، على نحو ما حصل إبان الاعتصامات في ساحات الوسط التجاري في بيروت، وعلى غرار ما حصل في صبيحة ذلك الثلاثاء عندما ظهر أصحاب القمصان السود في بعض ساحات ومنعطفات العاصمة، إبان التحضير للاستشارات النيابية الملزمة لاختيار الرئيس العتيد للحكومة الجديدة·

 التصلب في طرح المواقف، والتشدّد في مناقشات الموضوعات ذات الاهتمام الوطني المشترك، ودائماً على خلفية: نحن أشرف النّاس··· وأنتم خونة وعملاء!! مما أدى مع الوقت إلى تغليب نزعة شوفينية ممجوجة في خطاب بعض نواب الحزب ومسؤوليه·

 رفض التعامل مع المحكمة الدولية، رغم الإجماع الوطني عليها، والذي كان الحزب أحد أطرافه البارزين، والاكتفاء بادعاءات التسييس بأساليب خطابية ودعائية بعيدة عن الأصول المهنية المتبعة في دوائر التحقيق والمحاكمات الدولية·

 وأخيراً، ولعل هذا هو الأهم، مبادرة قيادة الحزب إلى قطع الحوار، وتجميد التواصل مع الأطراف والقيادات السياسية التي تخالفها الرأي، أو التي لا تتماهى مع مواقف الحزب من القضايا الداخلية المطروحة·

وأدت هذه القطيعة إلى تقوقع الحزب داخل مواقفه المتشددة سلفاً، وإلى غياب أدنى مستويات الحوار مع الشركاء الآخرين في الوطن، بهدف تدوير الزوايا وتقريب وجهات النظر، أو على الأقل شرح خلفيات المواقف المتشددة التي يتمسّك بها الحزب·

ومثل هذه القطيعة غريبة عن أجواء العمل السياسي في لبنان، والتي كانت حافلة دائماً بالخلافات والصراعات بين القيادات والأحزاب الناشطة، ولكنها كانت على تواصل مباشر، أو حتى غير مباشر، أحياناً، للتخفيف من حدة الخلافات والتباينات من جهة، وحرصاً على استمرار البحث عن صيغ توافقية معتدلة تشكّل مخرجاً لأية قضية خلافية قبل استفحالها·

ولا داعي للتذكير اليوم بأن تجارب الأمس أثبتت أن تعطيل التواصل والحوار بين الأطراف السياسية كان يودي بالبلاد والعباد إلى أزمة سرعان ما تنفجر في الشارع، وتتطاير شظاياها لتهز الأمن والاستقرار في البلد·

فهل ثمة مصلحة لحزب الله بالذات، في تأزيم الوضع الداخلي··· ثم في دفع الأزمة إلى حدود الانفجار؟·

لقد أبدى خصوم <حزب الله> في 14 آذار، وخاصة <تيّار المستقبل>، حرصاً على التعاون، ولو من مواقع الاختلاف، مع الحزب في إطار صيغة الائتلاف الحكومي، تأكيداً لمبادئ المشاركة والتوافق التي نص عليها اتفاق الطائف، ولكن هذا الحرص من <المستقبل> لم يُقابَل بمثله من جانب الحزب، الذي كان يحاول دائماً فرض خياراته على الحكومة من دون الالتفات إلى أصول اللعبة الديمقراطية التي يقوم عليها النظام اللبناني· فكان الانسحاب من حكومة السنيورة في أواخر عام 2005، ثم كانت استقالة الثلث زائداً واحداً للإطاحة بحكومة سعد الحريري· وليس ثمة ضمانة بعدم تكرار مثل هذا المشهد مع حكومة ميقاتي أيضاً، ولو عن طريق الحليف العوني هذه المرّة، الذي يُكثر من التهديد بالاستقالة والاطاحة بالحكومة تارة بذريعة الدفاع عن ملايين خطة الكهرباء، وطوراً احتجاجاً على كلام رئيس الحكومة الملتزم التعامل مع المحكمة، وتأمين التمويل اللازم لحصة لبنان·

وفي كل الحالات يعمد <حزب الله> إلى اتخاذ قراراته، وإعلان مواقفه من دون إجراء أي اتصال، ولا أية محاولة حوار مع أي طرف سياسي، خارج الركنين الأساسيين في تحالفه: الرئيس نبيه برّي والعماد ميشال عون· أما الحلفاء الآخرون فعليهم الامتثال· وأما الخصوم فأمامهم البحر، إما أن يشربوه أو ···< فليُبَلّطوه>!!·

نقول هذا الكلام انطلاقاً من تقديرنا لخطورة التحديات المحدقة بالبلد، والتي تُهدّد وحدته وأمنه واستقراره من كل حدب وصوب، لا سيما بعد تطوّر الأحداث المتصاعدة في سوريا بهذا الشكل الدرامي، واحتمالات التداعيات السلبية على الوضع اللبناني، وخاصة بالنسبة لـ <حزب الله> بالذات، المحاصَر داخلياً وبالقرار الاتهامي، وما قد يصدر من قرارات أخرى، والمُربَك استراتيجياً بعد اهتزاز الوضع السوري، والمُهدّد أمنياً بتحيّن العدو الإسرائيلي للفرصة السانحة للثأر من حرب تموز·

فهل يستطيع الحزب وحده أن يتصدى لكل هذه الأخطار الداخلية والإقليمية؟·

وكيف يستطيع الحليف الإيراني أن يوفّر الدعم اللازم للحزب إذا لم تكن الجبهة الداخلية تُشكّل الدرع الأوّل للدفاع عن شريك أساسي في الوطن والمصير؟·

من هنا، يرى المخلصون لأمن البلد واستقراره، والمتمسكون بعروة الوحدة الوطنية وتعزيز المناعة الداخلية، والحريصون على حماية مكونات النسيج اللبناني، بغض النظر عن الخلافات التقليدية أو المستجدة، يرى هؤلاء أهمية خاصة بأن يُطلق <حزب الله> مبادرة وطنية، ترتفع فوق الخلافات والتشاطرات المحلية، وتكون بمستوى التحديات المحدقة بالوطن، وبالحزب على السواء، وتكون قادرة على إعادة وصل ما انقطع مع الآخر، وتعيد ثقة النّاس بقدرة قياداتهم على تجاوز خلافاتهم وتفتح الأبواب أمام مصالحة وطنية حقيقية، تُعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، وتُبعد السلاح عن أي عمل سياسي داخلي، وتطرح معالجات واقعية ومقنعة لملف المحكمة الدولية، والتعامل بكثير من المهنية والقانونية مع القرار الاتهامي، واعتماد أساليب الدفاع القضائية عن المتهمين، وإبعاد المسألة عن أي استغلال سياسي·

مثل هذه المبادرة من حزب الله ليست صعبة··· ولا مستحيلة، وهي في مطلق الأحوال خطوة إنقاذ جريئة تتطلّب الكثير من الشجاعة والحكمة وبُعد النظر، وصولاً إلى طي صفحة الهواجس والقلق التي تسود شريحة مهمّة من اللبنانيين، وتؤمّن في الوقت نفسه انتظاماً كاملاً لـ <حزب الله> في المعادلة الوطنية، بعدما أدّت الثورات العربية، أو كادت تؤدي، إلى سقوط كل المراهنات الإقليمية الأخرى·

المهم···

هل يُبادر حزب الله·· وينخرط في ورشة إنقاذية شاملة قبل فوات الأوان؟·

السابق
التشبيح في موضوع التعامل مع العدو أيضاً!
التالي
حكم الادانة