الحرب الاستباقيّة على الحريري بدأت من طرابلس!

يقول أحد الباحثين في الشأن الانتخابي: خلافاً للانطباع الغالب، ليست النسبيّة خياراً مفضّلاً لدى الثنائي الشيعي، ولاسيّما "حزب الله"، لأنّها تُضعف حصريّة تمثيل الطائفة. فالشيعة هم اليوم الطائفة الأكثر "تأطيراً" في لبنان، والنسبية تقلّص هذا التأطير.

لكن ما يخسره "حزب الله" شيعيّاً في النسبية يطمح الى تعويضه مضاعفاً، سنّياً ودرزيّاً في شكل خاص. ونقمة النائب وليد جنبلاط على النسبية تنطلق من هذه المخاوف.

ويطمح حلفاء دمشق الى تثبيت دعائم سنّية في وجه "تيار المستقبل"، في العديد من المناطق، استعداداً لانتخابات 2013. وطرابلس هي النموذج الأقوى لهذا الطموح. فهي المدينة السنّية الأكبر بعد العاصمة، وفيها زعامات تقليدية تحظى بقواعد شعبية، إضافة الى التيّارات السلفية. وهي بوابة عكّار والأقرب الى الحدود مع سوريا.

أرقام تثير الطموحات

ودلّت أرقام انتخابات 2009 إلى أنّ هناك توازناً دقيقاً بين القوى التي خاضت المعركة، يراهن اليوم عليه "حزب الله" وحلفاؤه لجذب ما أمكن من التمثيل السنّي الى أحضانه.

فالنتائج أظهرت يومذاك ترتيباً للفائزين كالآتي:

محمد الصفدي: 66273

نجيب ميقاتي: 65004

روبير فاضل: 54839

محمد كبارة: 54574

بدر ونّوس: 54147

سمير الجسر: 53261

سامر سعادة: 49496

أحمد كرامي: 42392

أمّا الرئيس عمر كرامي فحصل على 29994 صوتاً، وسبقه على لائحته الوزير السابق جان عبيد بحصوله على 31147 صوتاً.

وتعتقد أوساط الغالبية الحاليّة انّ من الممكن، بإدارة جيّدة للمعركة، "معالجة" الفارق الذي يقارب 23 ألف صوت بين الجسر، ممثل "المستقبل"، والرئيس كرامي، عن طريق خلق تحالف بين كلّ القوى الطرابلسيّة في وجه "المستقبل". وفي ظلّ نظام نسبيّ، يصبح ممكناً المجيء بعدد وافٍ من نوّاب المدينة، مع الأخذ في الاعتبار الموقع المتوازن لـ"الجماعة الإسلاميّة".

لكن "تيار المستقبل"، في موازاة تأكيده انّ أرقام 2009 تترجم أرجحية حضوره في المدينة، يعبّر عن ملاحظات إزاء طريقة تعاطي ميقاتي والصفدي مع اللائحة. فهما حصلا على أصوات "المستقبل" و"14 آذار"، لكنهما عمدا الى تبادل الأصوات "من تحت الطاولة" مع الآخرين. وإذا ما فُرزت المواقف والتحالفات، فسيتبيّن انّ أرجحية الناخبين تقف الى جانب التيار وحلفائه. وفي أيّ حال، طرابلس 2013 تختلف أكثر فأكثر بفعل المتغيرات عن طرابلس 2009.

التنافس السنّي "مطلوب"

الرئيس ميقاتي يستعجل ترسيخ موقع له في مدينته، مع تزايد المصاعب أمام حكومته. ولم يكد يعود من زيارته السعودية التي اقتصرت على "الطابع الدينيّ"، حتى أسرع والصفدي الى دارة كرامي في طرابلس.

والمبادرة كانت لافتة. وحملت أكثر من عنوان المعايدة الذي أُعطي لها. فالرئيس ميقاتي، وفقاً لمصادر طرابلسية، يريد ان يقول للذين يعنيهم الأمر: لا أحد يحتكر تمثيل السنّة. ويستند رئيس الحكومة في ذلك إلى علاقة جيّدة مع المفتي محمد رشيد قباني، توفّر له غطاء مرجعيّا مهمّاً.

فالمتابعون لما جرى في المملكة أخيراً يخرجون بانطباعات عن توجّه جديد لقيادتها إزاء الملفّ اللبناني، والسنّي تحديداً، تزامناً مع توجّهها الأخير إزاء الملفّ السوري. واللقاء الأوّل بين الرئيس الحريري والملك عبدالله، بعد انقطاع أشهر، لم يكن سوى نصف الصورة. وأمّا نصفها الثاني فهو عدم حصول اللقاء بين الملك والرئيس ميقاتي. وهذا اللقاء كان يتوقعه كثيرون، انطلاقاً من اعتقادهم أنّ القيادة السعودية ستحافظ، في الشكل على الأقلّ، على حدّ من التوازن في التعاطي بين رئيسي الحكومة الحالي والسابق.

لكن ما حصل كشف بداية تغيّر في الموقف السعودي الى جانب الحريري. وستكون المرحلة المقبلة حسّاسة بالنسبة الى ملفّ الزعامة السنّية ورئاسة الحكومة. وهي ستشهد صراعاً عنيفاً، ليس بين ميقاتي والحريري، بل بين ما أفرزه "الستاتيكو" الذي فيه ولدت الحكومة بـ"كلمة سرّ" لنظام الرئيس بشّار الأسد، والواقع الذي يزداد بروزاً في سوريا، والذي تبدو فيه "الكلمة السرّ" ضائعة.

فالحريري لم يصل بعد الى وضع يسمح له باستعادة المبادرة سياسيّا. ولا تملك 14 آذار آليات تُسقِط حكومة ميقاتي. لكن الرياح الإقليمية والمحلية تجري بما تشتهي سفن الحريري وحلفائه. ومن هنا حجم الهجوم الاستباقي الذي يستهدفه، وتستخدم فيه الغالبية الحالية كلّ الأسلحة التي تملكها في السلطة. فالوقت ضيّق ولا تجوز إضاعة أيّ فرصة تستبق المفاجآت، سواء في لبنان أو سوريا.

السابق
احتراماً للرقم
التالي
كلفة صعبة يرتبها الدعم اللبناني للنظام السوري