انقاذ حزب الله لسوريا..حدوده عدم الغرق معه

نمو الثورة وانتشارها في سوريا جغرافياً وشعبياً يترجم في الداخل بمزيد من المواجهات والضحايا وغرق "النظام الأسدي" في الحل الأمني والعنف غير المقبول. في الخارج بتصعيد حقيقي للموقف العربي والإقليمي والدولي. الموقف العربي من "النظام الأسدي" والإقليمي خصوصاً التركي منه والدولي وفي صلبه الأميركي والأوروبي، تجاوز بسرعة ملحوظة كل ما سبقه من مواقف قبل شهر رمضان. صحيح أن رمضان انتهى دون أن تشتعل شوارع دمشق وحلب كما حصل في مدن الحزام الجغرافي لسوريا وفي الأرياف، إلا أن سقوط أكثر من 2300 ضحية وآلاف المفقودين والسجناء كسر الصمت. لم يعد مقبولاً أن تستمر حملة القتل دون حساب ومحاسبة. أيضاً "المعارضات" التي لم يكن لها رأس ولا مطالب محددة أصبحت أكثر تنظيماً بحيث لم يعد من الممكن إلا التعامل معها بجدية. المعارضة السورية تتطور والمواقف العربية والإقليمية والدولية تواكب تطورها.

أمام تحول الانتفاضة في الريف السوري الى ثورة تدق أبواب "البرجوازية المدينية" في دمشق وحلب التي استثمرت حاجة "النظام الأسدي" لها بمزيد من المكاسب والثروات. لا يمكن للبرجوازية المدينية أن تحافظ على حيادها. في النهاية عليها أن تختار. الزمن ليس مفتوحاً أمامها. ساعة الحقيقة تدق.

أطراف خارجية أيضاً أمام ساعة الحقيقة وتحديد خياراتها. "حزب الله" في مقدمة هذه القوى. كل القوى والأحزاب الحليفة في لبنان لـ"النظام الأسدي"، يمكنها الهروب الى الأمام إلا "حزب الله". مشكلة الحزب أن موقفه من كل ما يجري في سوريا مصيري. ربما من واجب "الحزب" الأخلاقي أن يعمل على إنقاذ "النظام الأسدي" الذي يعاني متاعب الغرق في بحر شعبي هائج. لقد شكل هذا النظام "وريده" الذي أمده بكل الأسباب لاحتكار المقاومة ونموها حتى انتصارها في 2006. "النظام الأسدي" استثمر هذا الانتصار في ابعاد الأنظار عن سكون جبهة الجولان طوال أكثر من ثلاثة عقود، من جهة وفي تقديم نفسه "قائداً" للممانعة والمقاومة. نجدة الحزب لـ"النظام الأسدي" قد تكون واجباً أخلاقياً، لكنه لا يستطيع تعريض نفسه لخطر الغرق معه. مهمة الحزب الإنقاذية تتوقف عند نجاته حتى ولو اقتضى الأمر ترك الغريق يغرق. للواجب الأخلاقي حدود خصوصاً وأن طائفة بكاملة جرى ربط مصيرها بمصيره في الميزان. لذلك كلمة أزمة الحزب الحقيقية التي يحاول اخفاءها هي: ما العمل في حال حصول تغيير في المستقبل في سوريا كما حصل في مصر وتونس وليبيا؟

 
إجابة الحزب عن هذا السؤال بالتركيز على أن "بوابة" التعامل مع الثورات العربية هي فلسطين تشكل مخرجاً مستقبلياً كما يحصل مع مصر حالياً، لكن في حالة سوريا ولبنان حيث وحدة المسار وحتى المصير بالنسبة للحزب وقوى أخرى تفرض عليه اجابة سريعة جداً.

ما يعزز تعجيل هذه الاجابة، أن شرائح مؤمنة داخل الطائفة الشيعية وحتى الحزبية تتساءل اليوم: هل يجوز شرعاً الصمت عن تدنيس القوى الأمنية والمخابراتية للجوامع كما حصل في جامع الرفاعي في كفرسوسة الموقع الجغرافي للأمن المركزي وغيره من الأجهزة الأمنية السورية؟ وهل يجوز الصمت عن تدمير مآذن الجوامع والتبجح بأنها دمرت بالديناميت من الداخل علماً أن الصور الحية تثبت تدميرها بالمدفعية والرشاشات الثقيلة؟ بالنسبة للحزب نفسه ما هو جوابه لقوى حليفة له أو داعمة لموقعه المقاوم من القوى والأحزاب السنية التي تسأله عن صمته عن هذه "القوى العلمانية" في "النظام الأسدي" في تعرضها للجوامع وللمصلين في شهر رمضان المبارك؟

من حق "حزب الله" أن يأخذ وقته للرد على كل هذه الأسئلة خصوصاً وأنه يتساءل عن طبيعة العلاقة المستقبلية مع أي نظام في دمشق. لا يمكن للحزب إلا أن يأخذ بعين الاعتبار مستقبل "طرقاته" و"ممراته" ومخازنه للأسلحة خصوصاً الصاروخية منها في هذه العلاقة.

لكن حتى يجد الحزب اجابة لكل ذلك من خلال تطور الأوضاع وتوضيحها في سوريا، فإن الحزب أمام أزمة مستقبلية خطيرة. ذلك أن الحزب الذي واجه المحكمة الدولية في عملية دفاع مبرمجة نجح من خلالها في تبني كل القوى المؤيدة له، "هشاشة" الاتهامات الموجهة الى بعض عناصره، خصوصاً الاتصالات الهاتفية، يجد نفسه أمام احتمال وقوع مفاجآت لا يعرفها وبالتالي لم يستعد لمواجهتها.

الرئيس نجيب ميقاتي، الذي يجيد مزج المياه الباردة بالساخنة منها دون أن يقع في المحظور قال عن المحكمة: "إذا تبين انها استندت الى افادات شهود الزور فإننا سنتصرف، ولكن الظاهر حتى الآن انها تتكل على أشياء أخرى". لا أحد يعرف ما هي هذه "الأشياء الأخرى". لذلك فإن "حزب الله" الذي يعتقد أنه "ربح" معركة ضد المحكمة الدولية، سيضطر بسبب هذه المفاجآت الى خوض "حرب" كبيرة في وقت ضيق. ربح الحرب في العام 2006 ضد إسرائيل لأنه فاجأها. لذلك فإن ربح معركة ضد المحكمة قد يضعه في مواجهة خسارة الحرب معها. وعليه منذ الآن التحضير لكل ذلك خصوصاً وأن مهمته الأولى منع الفتنة كما يشدد.

أخيراً فإن الهدوء الذي يسود الجنوب، أصاب بعض قواعده الحزبية في الجنوب وخصوصاً في البقاع بالترهل المفسد والتوتر الذي لم يعد يجد له متنفساً إلا بممارسات تضعه في مواجهات شعبية داخل القرى ومع بعض القوى التي منها ما هو حليف له.
حان الوقت بالنسبة لـ"حزب الله"، أن يحسم أمره ويختار الدواء، خصوصاً وأن "والده الشرعي" الجمهورية الإسلامية في إيران تبحث عن مخارج سريعة لمواجهة تطورات الوضع في المنطقة خصوصاً سوريا. اليوم يقتصر الدواء على المضادات الحيوية، غداً قد لا يعود الخروج من الأزمة من دون تشوهات وأضرار وحتى عملية جراحية. 

السابق
الحياة: اجتماعات وزارية ثنائية وموسعة لإيجاد مخرج حكومي لأزمة الكهرباء
التالي
بعد النأي بالنفس لبنان يراكم تحدياته