حيِدوا النفط الليبي

كان التنافس بين الدول الاستعمارية الأوروبية السبب الحقيقي للحربين العالميتين في القرن العشرين. لم يكن السبب جموح بيسمارك ولا جنون هتلر ولا الفكر النازي. بعد الحربين، ودخول الولايات المتحدة حلبة الصراع تغيرت قواعد اللعبة وشروطها. أصبح التوافق بين الدول الاستعمارية أساس تحركها في مستعمراتها القديمة-الجديدة. توافق يجري غالباً بغطاء من الأمم المتحدة وبمساعدة منظماتها الاقتصادية والعسكرية والإنسانية، أو بإملاء الولايات المتحدة سياساتها.

جنون معمر القذافي الموصوف لم يكن سبب حرب الأطلسي على ليبيا. «ملك ملوك أفريقيا»، صاحب «الكتاب الأخضر» كان مسخ ديكتاتور قبل الانتفاضة وبعدها. قمع الليبيين. نكل بهم. شردهم. حول بلاداً يفترض أن تكون أغنى البلدان إلى مجرد خزانة لخدمة انحرافاته، بما فيها دفع رشاوى للغربيين مقابل بقائه في السلطة. ولم تكن هذه الرشاوى مالية أو نفطية دائماً. الجميع يتذكر كيف سلم الولايات المتحدة كل «ترسانته». وبعضهم يؤكد أن هذه الترسانة كانت وهمية والأهم منها كان تعاونه معها في حرب على الإرهاب وتسليمها كل المعلومات التي في حوزته عن جماعات وأشخاص تعتبرهم واشنطن إرهابيين. والجميع يتذكر كيف أصبحت كوندوليزا رايس «حبيبته السوداء المفضلة» وكيف أصبح توني بلير مستشاره الخبير في تلميع صورته في الغرب.

ما دفع الأطلسي إلى شن الحرب على القذافي كان خوف الحلف من انتصار الليبيين على «الزعيم الأوحد» والتحكم بمقدرات بلادهم، من دون وصاية. استغل الأطلسيون الانتفاضة ليدمروا ويعيدوا البناء ويشكلوا نظاماً على مقياس طموحاتهم. وقد وصل الليبيون إلى قناعة أن الاستعمار على سوئه أفضل بكثير من «المفكر» الوحيد الذي لم يسمح بتكون طبقة سياسية طوال فترة حكمه. طبقة تدافع عن مصالحها ومصالحه، بل كوّن مجموعة منتفعين تخلوا عنه مثلما تخلى الغرب عنه.

بعدما أوصل القذافي الليبيين إلى حدود مطالبة الأطلسي بإنقاذهم منه. وبعدما أدى الحلف المهمة بجدارة، بقيادة الحملة العسكرية على الأرض وفي الجو جاء وقت إعادة الإعمار. إعمار ما هدمه القذافي وما دمره القصف الجوي والبري والبحري. والأهم من ذلك إعادة بناء نظام «ديموقراطي» يدين بالولاء للدول الغربية. ويبتعد عن الدول التي وقفت إلى جانب قائد ثورة الفاتح. هذا ما أعلنه رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل في غير مناسبة.

استطلعت صحيفة «ذي إندبندنت» آراء 20 شركة أوروبية حول استعدادها لإعادة تأهيل قطاع النفط فأبدت كلها استعدادها للعمل في ليبيا فور أن تهدأ الأوضاع. وهناك بطبيعة الحال شركات البناء وتأهيل البنى التحتية وغيرها بدأت الاستعداد للاستثمار في هذا البلد المدمر.

لا شك في أن مجموعة الاتصال حول ليبيا ستبحث تقاسم الثروة بالتراضي كي تستبعد التنافس في ما بينها. وستجد طريقة لتحييد قطاع النفط وحماية الشركات العاملة فيه من شظايا الحرب الأهلية التي اندلعت، ولن تنتهي إلا بوساطة غربية وبتدخل مراقبين من الأمم المتحدة.

الجميع خاسر في الحروب الأهلية عدا الشركات وحماتها ومنتهزو الفرص.

السابق
اللواء: نصر الله يربط استقرار لبنان بتطوّرات الأزمة في سوريا
التالي
هل كان غملوش في موقع اغتيال حاوي؟