الأحلام المتواضعة كلمات على طريق المطار

من الجنوب أتجهُ شمالا، الى العاصمة، مركز العمل والعلم والخدمات، حيث يتجسد الانماء غير المتوازن. عادة ما أتنقل باحدى وسائل النقل العمومية، وعلى طول الطريق لا شيء يلفت، فالطرق متشابهة، الشواطئ ملوثة وقد اعتادت أعيننا عليها، ولا شيء مستغرباً ايضا فمستوى الاخلاق والمهارة في القيادة بات معروفاً.
بعد نحو 60 كيلومتراً من نقطة انطلاقي، ظاهرة وحيدة تسترعي انتباهي، فنحن في الطريق الموازية للمطار يسميها كثير ممن يسلكونها بـ "طريق المطار"، علماً انها غير تلك التي اعتادت رائحة الدخان والاطارات المشتعلة، فلهذه الطريق نكهة أخرى، طعم الخطوة الاخيرة قبل الوصول، طعم الخلاص من طريق الملل.
لكن ليس المطار "الذي لا شريك له" هو الظاهرة اللافتة وليست ايضا ضاحية بيروت الجنوبية، بل هي تلك الجدران التي تحوط طريقاً اصبحت بفضلها كالممر المحصن في المعسكر.

على تلك الجدران ما يستحق التأمل، ما يستحق الساعات بل الايام. على تلك الجدران حبر، كتابات، وشعارات تكاد ان تحوّل الاسفلت حياة، والتحجر انفتاحاً. عليها تلتقي افكار ومشاعر تختلف شكلا ومضمونا لاشخاص لم يلتقوا يوما، لا يعرف احدهم الآخر وربما أحد من هؤلاء لا يقرأ غير ما يكتب. لكنهم جميعا يعرفون ومتأكدون ان هذه الجدران هي صحفهم التي ينشرون عليها افكارهم ويعبرون عن آرائهم، تلك الجدران التي لم تستطع "حيطان فايسبوك" الحلول مكانها ولا حتى تلك الخاصة بـ "تويتر"، انها جدران الآمال التي لن يمحو الوان جملها سوى الزمن الذي سيفوق، بطبيعة الحال، عمر المتأملين.
على تلك الجدران يتجاور محمد ورشيد من دون قصد في مسيرة حبّ، فيعبر كل منهما عن حبه على طريقته لفتاة قد لا ترى اسمها ابدا وقد تراه وتظنه تشابها في الاسماء لا اكثر. وعلى الجدران نفسها تتجاور عيتا الشعب وعكار ويلتصق المنجل والمطرقة بشعار حركة "أمل"، كما ان معروف سعد يرقد الى جانب رفيق الحريري، ويتحاور العنف والرقة، العشق والكراهية، الحرب والسلام، والقوة والضعف على تلك الجدران تتحقق الاحلام ولو لبرهة.
هنا تكتب الاماني ولا تمحى، لكنها تبقى في الاسفل، لا تعلو قمة الجدار، ذلك انها احلام متواضعة لا تصل الا الى الأفق القريب، الممكن، فالحالمون يدركون جيدا ان هذه الجدران ليست فانوس علاء الدين، بل مجرد مذياع للأصوات.
على تلك الجدران احترام يفوق الاحترام، فالآراء تنحني لنظيراتها وكذلك المشاعر والاماني. تتجاور الجمل لكنها لا تتصادم. عليها ايضا لا تنبت أعشاب اليأس، نستمر بالسير حشراً كاتمين رغبتنا بالبقاء حيث نحن ومعنا تسير الجدران والآمال.
لكن سرعان ما يظهر السواد الذي تزداد قتامته تدريجاً، تختفي آثار الآمال، من الآن لا مكان الا للعتمة، انه النفق وفي الانفاق يختفي كل شيء الا بقعة الضوء، التي تؤكد مجددا الامل في عودة دائمة مهما كانت الظروف.

السابق
محاكمة المتهمين الاربعة تبدأ منتصف 2012
التالي
مشاريع تمكين المرأة ودعم من السفارة الأميركية