التحدي الذي يواجه القاعدة

أخيرا قامت الثورات التي طالما سعى أسامة بن لادن إلى إثارتها في العالم العربي، ويبدو أن هذا الاضطراب سيعطي تنظيم القاعدة فرصة نادرة لبدء بناء الدولة الإسلامية التي طالما سعى إليها.. تلك الدولة التي تقصي البرلمان (فالتشريع البشري يغتصب الحق الإلهي في التشريع)، وتعادي المصالح الأميركية. لكن هذه الثورات تحدت، حتى الآن على الأقل، توقعات بن لادن، وعمدت إلى تمكين برلمانيين إسلاميين يشاركون في السياسات البرلمانية لزيادة نفوذ الشريعة الإسلامية، لكنهم في الوقت ذاته يرفضون المواجهة العنيفة للهيمنة الأميركية في المنطقة، وليسوا إسلاميين جهاديين.

ففي تونس، تقدم حزب النهضة الإسلامي في استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات التشريعية التي ستجرى في أكتوبر (تشرين الأول). وفي مصر يتوقع أن يفوز حزب الحرية والعدالة، الذي أسسه «الإخوان المسلمون»، بعدد ضخم من المقاعد في الانتخابات البرلمانية خريف العام الحالي. وإذا ما أجرت الدول التي مرت بثورات أكثر عنفا مثل ليبيا واليمن وسوريا انتخابات، فسيكون الإسلاميون على استعداد للتنافس في هذه الدول أيضا.

وعلى الرغم من كون وفاة بن لادن انتكاسة كبيرة لـ«القاعدة»، فإن زعيم التنظيم الجديد يلائم هذا المناخ الثوري في العالم العربي أكثر من سلفه. فالظواهري على عكس بن لادن يرى العنف الوسيلة الوحيدة للإطاحة بالأنظمة العربية. بيد أن عدائية الظواهري نحو السياسات البرلمانية تجعل مقاليد السلطة السياسية متروكة لهؤلاء الإسلاميين الذين يعرفون كيفية الوصول إليها ما إن تنتهي الثورات.

النتيجة في مصر شخصية على نحو خاص بالنسبة للظواهري، الذي بدأ قتاله للإطاحة بالحكومة المصرية وهو مراهق، كما يدرك الظواهري جيدا أن مصر هي الجائزة الكبرى في السباق بين «القاعدة» والولايات المتحدة نظرا لما تتمتع به من أهمية جيوستراتيجية ولمكانتها كدولة عربية رائدة. وفي رسالته الأخيرة المكونة من ستة أجزاء إلى الشعب المصري ومديحه لسلفه بن لادن، أشار الظواهري إلى أنه في ظل غياب التدخل الخارجي، سيتمكن المصريون والتونسيون من إقامة دولتين إسلاميتين من دون برلمانين معاديين للمصالح الغربية.

ويبدو أن الظواهري متفائل للغاية، فالمعاناة تحت حكم الحزب الواحد لعقود، وقلق الأحزاب الإسلامية المنافسة، سيجعلان البرلمانيين الإسلاميين (مثل نظرائهم العلمانيين) غير راغبين في دعم مثل هذا النظام في المستقبل. وعلى الرغم من أنهم سيسعون إلى تطبيق قوانين اجتماعية أكثر تحفظا، فإن البرلمانيين الإسلاميين سيقبلون بحاجة بلادهم إلى مساعدات اقتصادية وعسكرية من الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

وعلى الرغم من دعم بعض الإسلاميين لـ«القاعدة» خطابيا، فإن العديد منهم خاصة «الإخوان المسلمين» ينظمون صفوفهم في الوقت الراهن من أجل الانتخابات البرلمانية القادمة، وهو ما يعني أنهم سيصبحون برلمانيين إسلاميين، حتى إن السلفيين المصريين الذين يشاركون الظواهري بغضه للسياسات البرلمانية، يشكلون أحزابهم السياسية الخاصة. أكثر ما يثير التشاؤم بالنسبة لأجندة «القاعدة» هو الجماعة الإسلامية – تحالفت في السابق مع «القاعدة» – التي نبذت العنف وأعلنت مؤخرا أنها ستنشئ حزبا سياسيا لخوض المنافسة على مقاعد البرلمان القادم. رغبة هذه المجموعات في الدخول إلى السياسات البرلمانية تظهر أن «القاعدة» تفقد الدعم حتى بين حلفائها الطبيعيين.

هذه الديناميكية تحد من خيارات الظواهري. فخشية إثارة عداوة الشعب المصري لا يُتوقع أن يعمد الظواهري إلى الكف عن محاولة الوصول إلى البرلمانيين الإسلاميين أو الشقاق معهم بالدعوة إلى شن هجمات في البلاد قبيل الانتخابات. وسيواصل عوضا عن ذلك حث الإسلاميين على الدفاع عن الشريعة ومحاولة تحجيم النفوذ الأميركي.

في الوقت ذاته، سيضغط الظواهري لشن هجمات على الولايات المتحدة، والسعي لاستغلال الدول الأقل استقرارا بعد الثورة مثل ليبيا وسوريا واليمن، لكن ذلك بات موضع شكوك بالنسبة لقدرات «القاعدة».

ومن ثم فإن الهيمنة المتواصلة للولايات المتحدة في المنطقة، والرغبة المتنامية للبرلمانيين الإسلاميين، تعنيان أن «القاعدة» لن تنال الدولة التي ترغب فيها. وحتى أنصار «القاعدة» يتشككون في الوقت الراهن في قدرتها على استبدال دولة إسلامية بالأنظمة القائمة، خلال الآونة القادمة، على الإطلاق. وفي بيان مشترك صدر مؤخرا، عبرت العديد من المنتديات الجهادية على شبكة الإنترنت عن مخاوفها إزاء هزيمة معمر القذافي في ليبيا، فسوف يشارك الإسلاميون في الانتخابات التي ستدعمها الولايات المتحدة، وهو ما يقضي على أي فرصة لإقامة دولة إسلامية حقيقية.

نتيجة لكل هذه القوى لم تعد «القاعدة» في طليعة الحركات الإسلامية في العالم العربي. كانت السياسات الإسلامية تفسر على مدار العقد الماضي بصورة إثارة المخاوف بشأن الأحزاب الإسلامية، ومنحت الكثير من الحكام العرب ذريعة لتحجيم نشاطاتها أو إغلاقها. ولذا فإن هدف «القاعدة» بإزالة هؤلاء الحكام تحقق الآن من قبل آخرين لا يتوقع أنهم يشاركونها رؤيتها السياسية. وإذا ما فشلت هذه الثورات وظلت «القاعدة»، فإنها ستكون على استعداد لارتداء عباءة المقاومة الإسلامية. لكن حتى الآن فإن القوة المتمركزة بشكل جيد للاستفادة من الربيع العربي تتمثل في البرلمانيين الإسلاميين، ممن تتوافر لديهم الرغبة والقدرة على المشاركة في معارك السياسة الفوضوية.

* محلل في مركز «سي إن إيه» للدراسات الاستراتيجية ومؤلف كتاب «آلهة مؤسسة واختراع دول: الغزو والثقافة أساطير من العصور القديمة إلى الإسلام»

السابق
خدمات رمضانية من ياهو
التالي
عن خالد صاغيّة، وله